لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
كلّ منّا يمرّ بأوقات معينة يتمنى فيها أن يقرأ ما يدور في نفوس الآخرين، ما الذي يفكرون فيه في العموم؟ وما الذي يفكرون فيه بشأننا؟ لكن هل سألنا أنفسنا يومًا ما إذا كانت خصوصية خبايا النفس والأفكار نعمة كبيرة؟ وأن قراءة ما يدور في نفوس الآخرين يمكن أن يكون نقمة تصيبنا بالتعاسة الأبدية، تخيل أن تكتشف كذب من كنت تظنه صادقًا، وكره ما كنت تظنه يحبك، وغيرة وحقد من كنت تظنه يتمنى لك الخير، أعتقد أن من أهم نعم الله علينا –التي لا تُعد ولا تحصى– هي أنه سبحانه وتعالى قد جعل كل ما يدور في الرأس يبقى في الرأس، وكل ما تحدثنا به النفس يبقى في القلب.
هل نقرأ أفكار الآخرين؟
يقول المجتمع العلمي إن البشر يستطيعون قراء أفكار الآخرين بنسبة معينة، وهذه القراءة أطلقوا عليها الإدراك العقلي، هذا الإدراك هو ما يمكننا من معرفة ما يطرأ على شخص حولنا من تغيير، فمثلًا إذا بكى طفل صغير ما زال لا يستطيع التحدث بَعدُ، وكانت أمه قد أعطته زجاجة الحليب منذ عدة ساعات، فهي تعرف ما يدور في ذهنه الآن: إنه جائع، وإذا كان زوج يجلس بجانب زوجته يشاهدان فيلمًا مأساويًّا، وبكت الزوجة أثناء مشاهدة الفيلم، فيسألها الزوج ما الذي يبكيها فتقول: إن الفيلم مأساوي إلى حد كبير، يمكنه أن يعرف من خلال رعشة صوتها ونظرات عينيها أن بكاءها كان بسبب بعض الأفكار التي تدور في رأسها حول حياتهم الزوجية، وأن مأساوية الفيلم الرومانسي قد ذكرتها بالشجار الذي خاضوه هذا الصباح.وفي الدراسات والتجارب التي قام بها العلماء حول هذا الأمر، اكتشفوا أن الغرباء استطاعوا أن يكتشفوا ما يدور في أذهان بعضهم بنسبة 20%، بينما تزيد هذه النسبة بين الأزواج أو الأصدقاء المقربين لتبلغ 35%، وتختلف النسب بين شخص وآخر، لكن يقول عالم النفس ويليام إيكس من جامعة تكساس: إن أحدًا لم يستطع أن يتعدى نسبة أعلى من 60%، وبالتالي فإن قدرة البشر على قراءة العقول "محدودة".بينما يقول روس باك أستاذ علوم الاتصال في جامعة كونتيتيكت: إن قدرة البشر المحدودة على قراءة العقول لها تاريخ قديم، لأنه على مدى آلاف السنين تطورت أنظمة الاتصال البشرية المعقدة، وأصبحت حياة البشر وشؤونهم الاجتماعية وحياتهم العملية أكثر تعقيدًا، وهذا جعل قراءة أفكار الغير "المحدودة" سببًا في حفاظ البشر على علاقاتهم ونظامهم الاجتماعي، وهذا ساعد في معرفة ما يفكر فيه الأزواج، الأصدقاء المقربون والجيران.
ما الذي سيحدث إذا كنا نقرأ أفكار الآخرين؟
بالطبع قراءة أفكار الآخرين التي تحدثت عنها في الأعلى هي النوع غير المقصود من قراءة الأفكار التي أعنيها، فالنوع الذي تحدثت عنه مسبقًا هو نوع ينشأ بواسطة التحليل الفكري لدينا، نعرف شخصًا ما بنسبة معينة، و"نلاحظ" في وقت معين التغيير الذي يطرأ عليه في موقف ما، وبالتالي يقوم عقلنا بتحليل ما يراه و"استنتاج" ما يدور في عقله.أما النوع الذي أقصده هو النوع الذي يتم تصويره في أفلام الخيال العلمي والروايات، أن يستطيع شخص أن يطلع على ما يدور في فكر الآخر كأن يسمعه أو يراه، حينها ما الذي يمكن أن يحدث؟ إذا كنا مع صديق وحدث نفسه فجأة كم يكرهنا، واستطعنا أن نسمع هذه الفكرة، نسمعها بوضوح كأنه قالها بصوت عالٍ، ما الذي يمكن أن نشعر به؟
#1 الفوضى
أعتقد أن أول شيء يمكن أن يصيبنا إذا كنا نستطيع قراءة أفكار الآخرين هو "الفوضى"، سيشعر عقلنا بفوضى عارمة من كمية الأفكار التي يسمعها، لن يعرف منها ما هو الحقيقي –الذي سمعه بالفعل– وما هي الأفكار التي لم ينطق بها أصحابها أبدًا بصوت عالٍ، سيبدأ في الشعور بالفوضى من تدفق هذه الكمية الكبيرة من الأفكار، ولن يستطيع عقله معالجة كل هذا دفعة واحدة، وربما هذا يؤدي به إلى الجنون.
#2 الصدمة
أعتقد أننا إذا استطعنا قراءة ما يدور في أذهان الآخرين سنصاب بالمفاجأة تارة وبالصدمة الشديدة تارة أخرى، وهذا طبيعي، فكم من الأفكار التي تمر على عقولنا ونفكر فيها وتكون غير منطقية أو أنانية أو متهورة، نفكر فيها ليس بهدف تنفيذها ولكن يدفعنا للتفكير فيها عواطفنا، وسرعان ما نهدأ ونعود لطبيعتنا وأفكارنا العقلانية والمنطقية، تخيل أن يستطيع شخص أن يقرأ كل هذه الأفكار التي تمر على عقولنا، بما فيها من جنون وتهور!فربما ضايقَنا شخصٌ ما لدرجة استثارت عواطفنا جعلتنا نتخيل أننا نقتله! هذه بالطبع فكرة مجنونة لا نفكر في تنفيذها وإنما نفكر فيها للحظة أو لحظات ونهدأ ونعود لطبيعتنا، ما الذي سيحدث إذا استطعت أن تقرأ أنت هذا النوع من الأفكار، وسمعت ورأيت ما يدور في أذهان الآخرين في أكثر لحظاتهم جنونًا، يمكن أن تشعر بالصدمة تارة، وبالمفاجأة تارة أخرى، وربما تشعر ببعض الاحتقار والسخرية.
#3 لن تخجل من أفكارك
بما أننا جميعًا تمرّ علينا أفكار مزعجة وغريبة جدًّا في بعض الأحيان، أفكار نخجل من أن نكشفها لأي شخص، بل نخجل حتى من أنفسنا لأنها تمرّ علينا، سيتوقف هذا الشعور بالخجل إذا استطعنا قراءة ما يدور في أذهان الآخرين، سنكتشف أن الجميع –الجميع بلا استثناء– يمرّ على ذهنه مثل هذه الأفكار، وبالتالي سنعرف أننا لسنا مختلفين عن الآخرين، وأننا جميعًا في سلة واحدة، وأننا نمر بما يمر به الآخر، فلا داعي حينها للشعور بالخجل والإحراج.
#4 إعادة ترتيب الأشخاص
ترتيب الأشخاص حولنا بنسبة كبيرة يكون مدفوعًا بما نراه منهم، أي بما يظهروه لنا لا بما يضمروه، ربما يكون هناك شخص على رأس قائمتنا، يدعي حبنا ومصداقتنا واهتمامه بنا، لكنه في الحقيقة لا يضمر لنا إلا الكره والحقد، إذا كنا نستطيع قراءة هذا النوع من الأفكار فسوف يتم هدم قائمتنا رأسًا على عقب، ربما يأتي شخص من آخر القائمة ليصبح في أولها، وربما يخرج الشخص الذي في أول القائمة من قائمتنا تمامًا لأنه كان يدعي حبنا فقط.ربما تظن أن هذا سهل جدًّا على النفس لتقبله، وربما تقول في نفسك الآن ليتني أعرف من يحبني حقًا ومن يدعي ذلك، ليتني أعرف كيف يفكر فيّ الآخرون، لكن في الحقيقة هذه ستكون لعنة حقيقية عليك، تخيل كمّ الصدمة والوحدة والحزن الذي ستشعر به حينما يتعرى أمامك الآخرون تمامًا، عندما ترى كل فكرة بوضوح، سيصيب عقلك الجنون، وستكون شخصًا مظلمًا مكتئبًا منعزلًا عن الآخرين.من وجهة نظري، نعمة احتفاظ كلٍّ منا بأفكاره الجيدة حينًا والمجنونة حينًا والغريبة حينًا آخر لهي نعمة من الله سبحانه وتعالى، وهذا من أهم أنواع الستر التي أهداها لنا الله، وإلا لما استمرت البشرية ولما كانت العلاقات الاجتماعية كما تبدو عليه، ولانقطعت سبل الوصال، وتقطعت الأرحام، وعاش كل منا وحيدًا في معزل عن باقي البشر.
إليك أيضًا:
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد