لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لطالما كنتُ أبحث عن طريقةٍ للتخلصِ من الأفكار السلبية، الأفكار التي تشبهُ وحشًا لا يلبث أن ينقض على كلّ اللحظات الجميلة. منقضة على أوقاتِ الفرح، لتنتهي سريعًا بموجةٍ من القلق.
تعرفتُ من خلالَ البحث عبر جروبات الفيس بوك، ومدربي الحياة على كتابةِ الامتنان، كل يومٍ صباحًا أو متى استيقظت عليكَ أن تكتب خمسة أمور موجودة في حياتك وتشكر الله على وجودها، أو أي شيء يمكنكَ أن ترى فيه نعمَ الله عليك، مهما يبدو لكَ بسيطًا. لقد كتبتُ الكثير من الامتنان (شكرًا على نعمة الأكل الطيب، شكرًا على نعمة الكتب، شكرًا على نعمة السرير المريح). يقول أيضًا مدربو الحياة في نهايةِ كل يومٍ أكتب أمرًا واحدًا ممتنًا لحدوثه في يومك (لقد طبخت أكلة لذيذة، اتصلتُ بصديقة لم نتحدث منذ مدة، زرتُ مكانًا لأولِ مرةٍ وكان رائعًا).
كل هذا سيساعدك لتركيز نظرتك على الأمور الإيجابية، ومهما لاحقتك الأفكار السلبية ستتمكن من رؤية النور في نفقك المظلم. لقد اتبعتُ هذه الطريقةِ لحوالي خمسِ أشهر، وقاومتُ أحداثًا سيئة بالامتنان، ومحاولة النظر لأدق التفاصيل الإيجابية في حياتي، حتى لو كانت تبدو لي فيما مضى “تافهة. لكنني توقفتُ عن ذلكَ بسبب حدثٍ صادم وحزين في حياتي، مع فقداني لفردٍ من عائلتي بالموت. لم أعد أرى في الحياة غير هذا الحدث وتأثيره على العائلة جميعًا، حتى إنني لم أعد قادرةً على الشعورٍ بالامتنان، مهما حاولتُ كتابته على الدفتر المخصص لذلك، بل صارَ الدفتر يذكرني بكل الأيام التي سبقت الحدث والصدمة.
في هذا الوقت تحديدًا طلبت مني صديقات على جروب فيس بوك التوجه لمختص نفسي، لأنني أعاني من كربِ ما بعد الصدمة والذي عادة يعاني منهُ كل من تعرض لصدمة الفقد المفاجئ. لم يكن الأمر متاحًا لي، لذلك توجهت للبحث على الإنترنت في كيفية التعامل مع الأمر، بالإضافة إلى الاستماع لتجربةٍ صديقة تعاني من نفس الأمر، وماذا ينصحها المختص بفعله.
لقد كانت تجربة البحث مفيدة للغاية، خاصة والاستماع لتجارب مماثلة. تقول صديقة أخرى إن اللايف كوتش تطلب منها الكتابة وذلك بالإجابة على تمارين مكونة من مجموعة أسئلة لتستطيع الوصول إلى شعورها الحقيقي وسبب هذا الشعور، ومن أين جاء، ومن ثم تستطيع تقديم النصائح المناسبة لها لتساعدها على تجاوز الأمر.
هنا بدأت رحلتي في الكتابة التفريغية أو الذاتية كما أحب تسميتها. لأنني أمارس منذ سنواتٍ عدة الكتابة الإبداعية، وكتابة المقالات، ومهما منحته لك أنواع الكتابة للتخلص من أعبائك الداخلية، فلن تستطيع أن تصلَ جيدًا إلى عمقِ مشاعرك إلا بالكتابة التفريغية الذاتية والخاصة، دون خوف الانكشافِ أمام الآخرين، أو الهروب من أحكامهم عن حياتكَ وهشاشتك التي تمر بها في أكلح الأوقات، لقد كانت بابًا لبيتٍ آمنٍ يمكنني ممارسة كل البوحِ، دون تنميقٍ أو صفّ للكلمات أو الصور.
فقط عليكَ أن تكتب مشاعركَ الخالصة اتجاه نفسك، مواقفك، حياتك، الأحداث التي مررت بها، ربما الخذلان والترك الذي تمر به، أو مشاعر الحب التي تصلك من الآخرين، الدفء والدعم، وأيضًا عن أحداث دفنت في ذاكرتك وحاولت أن ترميها في اللاوعي.
بدأت بمتابعة الكثير من مدربي الحياة على اليوتيوب، ومنصات التواصل الاجتماعي من خلال الدورات المجانية التي يقدمونها، عادةً ما تتخللها أسئلة للإجابة عليها، أو الحديث عن أفكارٍ ومواقف تلامس كل شخصٍ بشكلٍ مختلف من خلال تجربته، وما أجمع عليه الجميع على مداومةِ كتابةِ كل هذا أو الاستعانة بالورقة والقلم للتعرف والتخفف من ذلك.
إن الفكرة الأساسية التي تهدف لها كل مشاريع التمارين النفسية، هي الحفر في الذات ومعرفتها جيدًا، معرفة أسباب ردات فعلنا، قراراتنا، أفكارنا السلبية والإيجابية، التخفف من أعباء الأفكار المترسبة في لاوعينا، ومحاولة إخراجها إلى السطح لمساعدة أنفسنا بتكتيك مناسب للتخلص منها، أو كيفية التعامل معها دون أن تسيطر على حياتنا، وتمنعنا من ممارستها بشكلٍ مريح. فليس من السهل التخلص من الأفكار وتأثيرها كما نفعل مع الصداع بحبة بنادول، ولكنها تحتاج إلى الوقت والطريقة المناسبة لفهمها وفهم أسبابها.
إن الكتابة الذاتية أيضًا تساعدك على معرفتك نفسك وماذا تريده في الحياة أيضًا، خاصةً إذا كنت تعاني من ضبابية فيما تريد فعله، واختياراتك المستقبلية حول العمل، تصوراتكَ حول العلاقات وتمكنك من معرفةِ احتياجاتك ورغباتك أكثر، وهكذا تستطيع أن تسير ولو ببطء في الطريقِ المناسبة المحققة لمعرفة الذات، للسلام والاكتفاء، وتمنحك شعورًا بالرضا عن نفسك.