لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
نتساءل كثيرًا سؤالًا يُعد من الأسئلة المُحيرة والعميقة لدينا وهو (من أين نستمد قيمتنا؟) وهذا التساؤل يجعل الإنسان يغوص في أعماقه كي يجد الجواب الصحيح، وكل إنسان يميل إلى جانب ما وفي داخله تكون هناك أشياء يجد نفسه ينتمي إليها ويستشعر أنها مصدر قوته. ولكن ماذا لو كانت هذه الأشياء التي يتمسك بها ويشعر بأنها مصدر قوته وقيمته زائلة؟!
وفيما يلي سنتناول مجموعة من الأمثلة التي يستشعر الإنسان منها بقيمته وهل هي تصح لإمداد الإنسان بقيمته أم لا؟ وما هو المصدر الحقيقي لقيمة الإنسان؟
المثال الأول: استمداد القيمة من الأموال والممتلكات
نعلم أن المال والممتلكات شيء هام جدًّا في حياتنا وعامل مهم في تقدمنا، ولكن نجد البعض يُحدد قيمته على أساس ما يمتلكه من ممتلكات من سيارة فارهة ومنازل فارهة وحساب بنكي يكتظ بالأموال ونوع هاتفه وماركات ملابسه. ولكن السؤال الأهم هنا أنه إذا تم سحب ما لديه من جميع هذه الممتلكات هل يفقد قيمته كإنسان ويُعامل بدونية؟ (بالطبع لا) نرى جميعًا أثرياء العالم يُنفقون سنويًّا جزءًا من أرباحهم السنوية لرعاية الفقراء وبناء مؤسسات وجمعيات خيرية.
فلو كانت قيمتهم بالمال والفقراء ليس لديهم قيمة لفقرهم ما أنفق هذا أمواله على ذاك الذي لا يمتلك مالًا ولرأيناهم يُحافظون على أموالهم للمحافظة على قيمتهم. إذًا ليس من المعقول أن نختزل قيمة الإنسان فيما يملك وإلا جعلنا مَن لا يملك ليس لديه قيمة.
المثال الثاني: استمداد القيمة من الدرجات العلمية
لا شك بأن التعليم والدرجات العلمية لها أهمية قصوى في حياتنا وأن الإنسان يرتقي بعلمه وتطبيقه له. ولكن دعنا نتساءل كم من علمٍ استخدمه صاحبه في دمار البشرية؟! وكم من عالمٍ جعل علمه حُجة عليه لا له؟ إذًا الكثير والكثير وناهيك عن الأنظمة العلمية التي لا تُسمن ولا تُغني ولا تدل على علم صاحبها من الأساس. إذًا على الرغم من أهمية العلم القصوى ومقداره لكن لا يصح أن يجعل الشخص قيمته مُستمدة من علمه.
المثال الثالث: استمداد القيمة من المنصب والسُلطة
من المعروف أن المناصب والسُلطات العُليا لا تقبل أي شخص إلا إذا كان ذا عِلم وذا مهارات وخبرات عالية تدل على جهد صاحبها. ولكن إذا زال المنصب أو السُلطة أو تركهم هل يحق لنا أن نقول الشخص فقد قيمته الإنسانية معهم؟! أو نقول مثلًا على الأشخاص الذين لا يمتلكون مناصب هم ليس لديهم قيمة؟ (بالطبع لا) وماذا عن مَن يمتلكون مناصب ويقومون بالفساد استنادًا على مكانتهم؟ إذًا المنصب وحده أيضًا غير كافِ للدلالة على قيمتنا الحقيقية.
المثال الرابع: استمداد القيمة من آراء الأشخاص
يستشعر الكثير من الناس بالقيمة عند ثناء الناس عليهم ومدحهم ويشعرون بالدونية عند انصراف أنظار الناس عنهم. والحقيقة أن الناس مُختلفون وليسوا على شاكلة واحدة، وآراؤهم مختلفة فيما حولهم، بل يُمكن أن تجد شخصًا واحدًا يمدح شيئًا اليوم ويذمه غدًا، ويُمكن أن تجد مجموعة من الأشخاص تمدح شخصًا ومجموعة أخرى تذمه. إذًا لا يصح الاعتماد على آراء الناس كقيمة للإنسان لتغير أراءهم وتقلبات فكرهم.
المثال الخامس: استمداد القيمة من المظهر والشكل الخارجي
يستمد الكثير من الناس قيمتهم من وسامتهم وقوامة أجسادهم وملامحهم الجذابة. برغم أن القاعدة تقول: إن الجسد هو الأداة التي تخدم النفس والروح، إذا كيف نجعل من الأداة قيمة عُليا؟ وماذا عن سُكان دول خط الاستواء الذين يمتازوا ببشرة سوداء اللون هل ننزع منهم قيمتهم الإنسانية بسبب لون بشرتهم أو تغير أشكالهم بسبب المناخ لديهم؟! (بالطبع لا). وكيف نجعلها قيمتنا ولا يوجد أحد من البشر قادر على اختيار شكله وجسده؟!
المصدر الحقيقي لقيمة الإنسان
دعنا نتساءل أولًا ونعود للخلف ونعلم ما مصدر الإنسان ذاته؟ خالق الإنسان ومُنشؤه هو الله -عز وجل-. وكل العقائد السماوية جاءت لتأكد على وجود إله واحد خالق للكون والإنسان. والقاعدة تقول: “المصنوع يستمد قيمته من صانعه” دعنا نضرب مثالًا ليتضح الأمر: أنت إذا كنت تُجيد حِرفة معينة أو عملًا معينًا تُنتج من خلاله مصنوعًا معينًا ستكون أنت وحدك القادر على إعطائه تقييمًا معينًا وتسعيرًا ووضعه في سياق يليق به. ولله المثل الأعلى والعِزة الكاملة والتنزيه الكامل فأنت مصنوع إلهي كما قال -عز وجل-: ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)) “النمل:88”. والله -عز وجل- هو الذي يعلم قيمتك لأنه خالقك.
دعنا نتأمل في موضع من قصة سيدنا يوسف يقول -عز وجل- في سيدنا يوسف ((وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)) “يوسف:20” هُنا تم بيع سيدنا يوسف في سوق الرقيق بثمن قليل لا يليق به، وكان شديد الجمال حَسن المظهر ولكن كل هذه التقييمات لم تخدمه ولم تكن في صالحه حتى جاءه الأمر الإلهي بتمكينه وجعله عزيز مصر ((وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) “يوسف:56” لأنه جعل مُبتغاه وقيمته مستمدة من الله -عز وجل- فقط بإحسانه كما ورد في الآية الكريمة ولم يعتمد على مظهره ولا جماله ولا أنه ابن نبي.
فنهايةً، تتحدد قيمة الإنسان بوصوله لحقيقة أمره ومركزية الكون وأنه يستمد طاقته وقيمته من خالقه وخالق كل شيء يمتلكه الإنسان، فلا نظلم أنفسنا ونُعلق قيمتها بما لا يليق بها ويزول، ولا نُضيع فرصة تحقيق قيمتنا الحقيقية ونتوجه إليه لنستمد قيمتنا به ومنه -عز وجل- لأنه خالقنا، ومُعطي المناصب، ومُعطي الأموال، ومُعطي الجمال، ومُعطي حُب وثناء الآخرين، وبدونه لا وجود ولا قيمة لهم ولا لنا جميعًا.