لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لقد وثق الأدب العربي لمآسي شعبه وما تعرض له من انتهاكات الاحتلال، ولطالما كانت القضية الفلسطينية حاضرةً في الأدب، ولا يخلو إصدار سنوي إلا بمنتوج أدبي عن القضية من أبناء فلسطين أنفسهم أو من آخرين. في هذا المقال نعرض عليك ثلاثة أعمال أدبيةٍ عن القضية الفلسطينية.
1. السيرة الذاتية رأيتُ رام الله – مريد البرغوثي
مريد البرغوثي الشاب الفلسطيني الذي خرج من (دير غسانة) برام الله إلى مصر، ليعود بشهادة يعلقها على حائط في بيتهم، وبالفعل يتحصل على الشهادة، ولم يجد حائطًا يعلق عليه الشهادة! هكذا يقول، بعد انتهائه من الامتحان الأخير حدث ما حدث ولم يعد باستطاعته الدخول إلى فلسطين، ثلاثون عامًا من الغياب عن (دير غسانة) ثم ليتحصل على (لم الشمل) وهو التصريح من الدولة العبرية الذي جعله يقول (رأيت رام الله).
بعد ثلاثين عامًا، يعود مريد ليقول رأيت رام الله، بعد أن جاب بلاد الله، فقط لأنه فلسطيني، الأردن، لبنان، مصر، بودابست، المجر، باريس، الكويت، المغرب، فيينا (النمسا).
يكتب مريد ليس فقط عن رام الله، عن هوية هذه المدينة، عن (المضافي) عن رجالات هذه المنطقة، عن دار صالح، عن الساحة الموجودة في آخرها شجرة تين التي وجدها مقطوعة فلا أحد يعتني بها، عن أشجار الزيتون وعصره، عن زيت دير غسانة، عن أشجار اللوز، عن أناشيد الصغار هناك، عن المدارس، عن التغريبة، عن عائلة البرغوثي، عن (لم الشمل)، عن أناس عاشوا هناك، عن فلسطين الثوب المطرز، عن (المستوطنات الفلسطينية في فلسطين) نعم.. التي وصفها بالحل للفرد الفلسطيني.
عن (القدس) و (القدس المحتلة) عن مجزرة (تل الزعتر)، عن اللاجئ الفلسطيني في لبنان، عن حقه كإنسان لاجئ من حرب وموت، الذي يضمن له أن لا حق له سوى الهواء، عن (تميم) ابنه الذي ما زال يبحث عن تصريح لم شمل له ليزور مسقط رأس أبيه، عن الفلسطيني كـ (كائن تلفوني) وككائن يعيش ويزور كل المدن بينما يمنع من وطنه، عن (أطفال الحجارة) والشعر الذي كتب عنهم وعن استغباء كل من كتب عنهم ليجملهم أدبيًّا وليخفف حجم المجزرة الإنسانية في حقهم، عن صبرا وشاتيلا، عن شخصيات وأحزاب سياسية، عن المعاهدات، عن القومية العربية.
عن وفاة أخيه (منيف) في باريس لوحده حين كان في بودابست وأمه في عمان، عن وفاة ابن خاله في بيروت وكان هو في بلد آخر، وكتب عن الشهيد والشعر والمظاهرات السياسية في مصر وفلسطين ودول أجنبية، عن إسرائيلية كانت تدافع عن حقوق الفلسطينيين، عن إسحق رابين حين ذكر الأم الإسرائيلية حين تبكي وتتعذب لأجل ابنها الذي استشهد في سبيل وطنه، عن سرقة هذا المصطلح (استشهد) على مرأى العالم، عن الشيوعيين والوطنيين، عن كل الخليط الموجود في شخصية الفلسطيني ولم يبكِ بل أبكانا فقط.
كتب عن الأرض، الهوية، الوطن، دون تعريف مباشرٍ
2. رواية الطنطورية لرضوى عاشور
تخوض رضوى عاشور في هذا العمل الأدبي الملحمي سيرة “رقية” منذ الولادة، مرورًا بمجزرة الطنطورة التي كانت نقطة تحولٍ حين أخذت منها والدها، وأخواها، وشارفت أمها على الجنون، مرورًا بذهابها إلى صيدا وزواجها وإنجابها لـ صادق، حسين الصغيرين، ثم عبد وتبني زوجها أمين لمريم الرضيعة الذي أخذته الحرب ولم تعلمها أين دفن، ثم تشتت أولادها بين كندا وأبو ظبي، ثم استقرارها بمصر.
حكت باستفاضة آلام الوطن، الهوية، الأرض، فلسطين، الملاجئ، لبنان، الأمومة، الغربة، الاحتلال، القتل، الاستشهاد، القهر، الغصة، المجازر، الغارات، الاضطهاد، الزيتون، السماق، المسخن، الحطة والعقال، الثوب المطرز، المفتاح المعلق في صدور النسوة في الملاجئ، الدبكة، وكذلك غنت الميجانا، الأوف والعتابا، دقوا المهابيج، ويا ظريف الطول، والتقت ابنها من وراء السياج وسلمت على حفيدتها كذلك.
بعيدًا عن الأحداث المؤلمة، التخاذل، والشحططة الفلسطينية من الممتع أن قاموس القارئ الذي لم يكن يعرف من المدن إلا حيفا، يافا، عكا، القدس، اللد، نابلس، غزة، الخليل، رام الله، يصبح يضج بمدن ومخيماتٍ أخرى: طنطورة، الصفورية، قيسارية، صفد، تل أبيب (يافا)، سعسعة، الخالصة، دير القاسي، الصفصاف، البروة، شاتيلا، طبريا، الرملة، النقب، الناصرة، الزيب، عمقا، الصفصاف، الطيرة، أم الفحم، شفا عمرو، مخيم الرشيدية، مخيم برج الشمالي، مخيم المية مية، عُرابة.
تعد رواية الطنطورية سيرة شعبٍ كاملٍ، وليس رقية فقط، شعبٍ تعرضَ للتهجير القسري والقتل، وترصد حياته بعد نكبته 1948 وكيف واصل نكبته، وعاش في الملاجئ والدولِ التي مضى إليها يشق نورًا وسط عتمته.
3. الرجال والبنادق – غسان كنفاني
ماذا تعني علبة حساء العدس في مخيم؟ يكفي أن نقول غسان لتنبعث رائحة فلسطين، لا يبتعد كنفاني في هذه القصص عن الوطن، الحرب والسلاح، الأرض والدم، بل يتوغل في أحيائها ومبانيها، يستهل غسان الرواية بقصة المخيم وعلبة حساء العدس، ماذا تعني علبة لحساء العدس في مخيم؟ يزرعك هنا كنفاني لتعيش أجواء الحرب والمخيمات والبيوت، تعيش أنماطا تفكيرية لعقليات تحمل السلاح كفكرة قبل أداة وبين أخرى باحثة عن الحياة.
هُنا يضعنا الكاتب وسط أحياء فلسطينية خالصة، يحمل أهالٍ منها على عاتقهم التصدي للاحتلال الإسرائيلي، بما لديهم، بما يملكون وما لا يملكون، بكل ما يجتهدون وبكل ما هو مرسخ فيهم من أفكار، إنه دومًا يخبرنا بمقولته الأثيرة: الفكرة لا تموت، مضيفًا لها: إنه يضحى أكثر أمانًا كلما اقترب من البندقية وأكثر عرضة للموت كلما ابتعد عنها.
يُعد الشاعرُ مريد البرغوثي، ورضوى عاشور، غسان كنفاني من أشهرِ من كتبَ عن القضية الفلسطينية لارتباطهم الوثيق بها. غسان الذي هُجّر في النكبة إلى بيروت ثم اغتاله الموساد الإسرائيلي، مريد الذي لم يستطع الرجوع لفلسطين إلا بعد ثلاثين عامًا، ورضوى التي خطت ملحمة كاملة لشعبٍ على لسان رقية. ومن الواجب هنا أن ننوه لأعمالٍ مهمة عن القضية: سلسلة الملهاة الفلسطينية لإبراهيم نصر الله، رواية بينما ينام العالم لسوزان أبو الهوى، مصائر لربعي المدهون، وغيرها الكثير التي تعرض فيها قصةً أخرى للنكبة لعائلة أبو الهيجا.