لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
أنا لست أُمًّا مثالية. نعم أقولها. أقولها دون خوف من المجتمع، بدون خوف من آراء من حولي، بدون خوف من نظرات النساء من حولي، أن تكوني أُمًّا في مجتمعي يعني أن تكوني مضحّية، أن تتماهي في متطلبات أطفالك، أن ترتبط كل ذرة هواء في أنفاسك بأطفالك، تنسين متطلباتك الشخصية، تنسين احتياجاتك، فقط تفكرين في الأطفال، كل شيء يتمحور حول الأطفال.أن تكوني أُمًّا في مجتمعي يعني أن تتخلي عن شغفك، هواياتك، عملك، فلا شغف لديك أهم من أولادك، لا هواية تمارسينها أفضل من الاعتناء بالصغار، لا عمل ولا مستقبل أهم من تقديم طعام العشاء، وغسل الصحون وتجميع الألعاب، وغسل الملابس، في مجتمعي يقيسون أنوثتك وأمومتك بمدى تلاشي رغباتك أمام رغبات الأبناء.عذرًا مجتمعي أنا لست أُمًّا مثالية، ولا يشرفني أن أكون أُمًّا مثالية في عينيك، عذرًا مجتمعي على امتلاكي أحلامي الخاصة، على امتلاكي حياة عملية أرغب في الحفاظ عليها والنجاح فيها، عذرًا مجتمعي على امتناعي عن التضحية الكاملة في سبيل نظرات الرضا من النساء والرجال.تربية الذكور
شخصيًّا لا أعتبر أن هناك فرقًا بين الذكر والأنثى، لذا ما الداعي لأن نفرق في التربية بين الذكر والأنثى، منذ علمت بحملي الأول لم يشغلني نوع الجنين، ولا أتذكر أن كون طفلي الأول كان صبيًّا أن الأمر كان له دلالة أو تأثير ما في نفسي، لذا حرصت أن أعلمه من صغره كيف يعتني بنفسه، كيف يغير ملابسه، كيف يحمل طبق الطعام من وإلى الطاولة، كيف يعتني بنظافته الشخصية دون مساعدة، كل هذه الأمور البسيطة التي لا بد أن يتعلمها أي إنسان يعتبر هذا في مجتمعي جحودًا منّي، قلة حنان، قلة اهتمام، رغبة مني في ألا أتولى المسؤولية، تخيل عزيزي القارئ أن محاولاتي لجعله شخصًا مستقلًّا تقابل دائمًا بالمقاومة، فيسرعون لتلبية حاجاته التي يعرف بالفعل كيف يقوم بها، وهو في الأخير طفل، لذا يستغل الأمر لكي ينال المزيد من اللعب والدلال. فهل العيب على الطفل، أم على الكبار الذين يقدمون مساعدات لا حاجة لها؟العمل
منذ بدأت دراسة الإعلام وأنا أمتلك حلمًا واضحًا "أن أكون أحد أشهر الأقلام في العالم العربي" ومنذ ستة أعوام تقريبًا بدأت المسيرة، أسعى طوال الوقت لتحقيق حلمي والوصول إلى هدفي، أحب عملي بشدة وأجد الراحة في الكتابة.بعد ولادة طفلتي الثانية طلب مني 99% من معارفي بين الأهل والأصدقاء أن أترك العمل للتفرغ للطفلة، ناسين أن هذا شغفي الأهم والأكبر، أن الكتابة ملاذي وملجئي، وأن عملي هو سفينة النجاة بالنسبة لي من بحر الكآبة والشعور بالفشل، المهم أن أكون صورة المرأة المضحّية، التي تخلت عن عملها من أجل الأطفال، وهذا ما قررت رفضه جملة وتفصيلًا وكثيرًا ما اتُّهمت بالتقصير بسببه، ولكن لا يهمني.الراحة
من أكثر الأمور التي يتم محاسبة أمهات جيلي عليها هي الراحة التي وفّرها التقدم التكنولوجي، أذكر أن والدتي سبق وأخبرتني أننا جيل مدلل، وذلك لأننا نحظى بالحفاضات ذات الاستخدام الواحد، وكذلك الغسالات الأوتوماتيكية التي تغسل الملابس وتجفهها، وهذا ما لم تحظ به الأجيال القديمة، وبالتالي يجب ألا نشكو أبدًا لأننا لم نعاني نفس المعاناة، بنفس المنطق ستجد من يلقي اللوم على الأم التي تطلب ساعة واحدة لنفسها في اليوم لشرب مشروب ساخن، للنوم، أو حتى لتصفح الإنترنت، ستجد من ينظر للأم باستهجان إن قررت الذهاب إلى النادي الرياضي، أو مركز التجميل، أو الخروج مع الصديقات.الأم يجب أن تكون معذبة، مهضومة الحق، مسلوبة الصحة والوقت وإلا أصبحت أُمًّا سيئة، لا تعطي الأطفال الاهتمام الكافي…
تخيل أن تعيش طوال الوقت تحارب على كافة الجبهات، تخيل أن أول من يوجه لك اللوم هي امرأة من نفس نوعك، ولك في مجموعات النساء على صفحات التواصل الاجتماعي أكبر مثال، إن أخطأت سيدة وسألت عن أي وسيلة للراحة أو توفير الوقت ستجد ألف من يهاجمها ويتهمها بالإهمال، إن طلبت النصيحة في أي شيء أو تحدثت عن أي إنجاز ستجد من يرد عليها بأن ما تفعله لا شيء بالمقارنة بالآخرين وما يقدمونه لأطفالهن.الأم في مجتمعنا دائمًا في موضع اتهام، دائمًا مقصرة مهما كان ما تفعله أو تقدمه، الأم في مجتمعنا وفي عصرنا لن تجد الراحة أبدًا إلا إن اعتمدت المنهج المريح بالنسبة لها، فالأم المجهدة الحزينة لا يمكنها أبدًا أن تصنع منزلًا وأسرة سعيدة. لذا كوني أنت واتبعي منهج نفسك ولا تكترثي لآراء الآخرين، كوني فخورة أنك لست أُمًّا مثالية.