لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لا تحتاج مني عزيزي القارئ إلى تعريفٍ بالمخرج أو مجموعة الممثلين المشاركين في واحدة من الأيقونات السينمائية الرائعة، لكن هنا وفي هذه المقالة سنتحدث عن إعادة اكتشاف أحد أفضل المخرجين في التاريخ من خلال رؤيته الشخصية -الهزلية- للسينما وصناعها، في فيلم هاجمه بشدة الجمهور العام للسينما، ولم يعجب معظم محبي تارانتينو على وجه الخصوص، وهذا لعدم استعماله أدواته المعروفة للجذب والتشويق، والتي استعملها في كل أفلامه تقريبًا.على الجانب الآخر، قام النقاد بمدح الفيلم بشدة، وبالغوا في صبغ النسخة النهائية منه بالعبقرية، ووصفوه بأنه رسالة حب لهوليود من تارانتينو، مما أغضب متابعيهم ووصفوهم بال”متحذلقين”، فما الذي يجعل هذا الفيلم مختلفًا ومميزًا حتى يجعل الجمهور بهذا التطرف في آرائهم عنه.
رؤية تارانتينو التاريخية
يمتلك [تارانتينو] رؤيته الخاصة بالتاريخ، وغالبًا ما ترتكز على الجاني، المجني عليه والسينما كركيزات أساسية، نستطيع أن نري هذا الأمر في فيلمه [inglourious basterd]، حيث أُقتص من هتلر بواسطة اليهود داخل قاعة سينما يعمل بها شخص أسود البشرة، وقاموا بقتله حرقًا كدلالة على الهولوكوست، وتكرر الأمر في بداية هذا الفيلم من خلال السينما نفسها، حيث شارك بطلنا كممثل في أحد الأفلام وقام بحرق النازيين، كتأكيد على رؤيته الخاصة، وتكرير لما حدث في الفيلم المذكور سابقًا.ومن هنا نبدأ في تفهم الرؤية الهزلية العادلة للتاريخ، وملامح الفخر والشرف الخاصة، والتي غلبت على كل ما هو غير أمريكي داخل قصته القصيرة.ومن العنوان مباشرة يتضح لنا أنها قصةٌ أمريكية بامتياز، تدور أحداثها في نهاية الستينات، حيث يطل علينا رعاة البقر من أعالي أبراج النجاح، مكتسحين السينما العالمية والمحلية، ولكن قصتنا لا تبدأ بإيطاليا (مركز أفلام رعاة البقر)، بل تبدأ في هوليود، أرض الجمال والدلال، والتي بدأت في إسدال ستارة عصرها الذهبي، وفي مشاهد درامية طويلة وبطيئة داخل أحداث حياة أبطالنا الخاصة، والمتمثلة في ممثلينا الرئيسيين [براد بيت / كلييف] [ليوناردو ديكابريو / ريك ديلتون] نبدأ في استكشاف طريقيّ قصتنا.تظهر أول مشاهد العدالة التاريخية الهزلية في ذهن [تارانتينو] حين يهزم [كلييف / بديل النجم] [بروس لي] شر هزيمة، جاعلاً منه أضحوكة، وهذا الانتصار هو انتصار لأصالة السينما الامريكية أولاً، ثم للبدلاء [للدوبليير] علي النجم ثانيًا، كنموذج واضح لمحاولته إنصاف الأجزاء المهملة من فريق العمل، ومن أكثر مظلومية وإهمالًا مثل البدلاء (دوبلير)!في حين يُحتفى بالنجوم والمخرجين، تظل بقية القواعد الاساسية للسينما مظلومة لحد كبير، وبينما يركز بعض الملمين بها بكاتب السيناريو، مدير التصوير، وأحيانًا بالمونير الصوتى، لا تجدهم يلقون بالًا بعنصر “البديل”.
الإخراج والأداء التمثيلي
ومع استمرار المشاهد الطويلة شديدة الامتاع، والتي تمتلئ بالتفاصيل والألوان المبهجة، لن ابالغ حين أقول إن هذا الجو العام -شديد الرومانسية- والذي غلب على الفيلم، أنصف الممثلين وأبرزهم بشدة، في حين ظلم النص والمخرج، رغم أن من أمتع مراحل البناء في السينما؛ هي مراحل البناء الدرامية الحياتية شديدة البطء، ولكن هذا لم يشفع جماهيريًا لمخرج عظيم وفريق تمثيل رائع.وفي سجال تمثيلي مستميت، ننبهر بأداء ممثلينا، فالفيلم لا يحكي قصة واحدة، بل يحكي فترة قاتمة في هوليود من عيون تقاطع طريق، وهذا الاتقان الغير متوقع من طريقة استغلال ممثلينا لصالح الأحداث كانت مذهلة، وخصوصًا حين نصل للثلث الأخير، أو حين يقرر [تارانتينو] أن يفجر عقلك متسائلاً، هل هذه نهاية الطريق أم هي دمج بين حياتين منفصلتين جمعتهما الصدفة البحتة؟
النهاية
لكن يا صديقي لا تظن أن طول الفيلم أنسى مخرجنا ثيمة العدالة التاريخية، ففي تسلسل أحداث النهاية يقوم [تارانتينو] بحركة عظيمة، حين يغير التاريخ -من وجهة نظره- وينتصر للسينما، فبدلًا من أن يسدل الستار على العصر الذهبي لهوليود، قام بواسطة الطريق الممهد -والذي عمل عليه من بداية الفيلم- بأن جلب العدالة للسينما بمعاقبة قاتليها، وقتلهم بيد من يعمل فيها وأكثرهم تهميشًا، فتنتصر السينما، وينتصر المجني عليه، ليسدل الستار على قصة عظيمة لم يكن لها أن تُقَدمَ أبدًا بهذه العبقرية.وبينما يصدم [تارينتيو] المشاهد بإنزال الستار، كما يصدمه بدخول القصة، يعيد إدهاشه بسطحية الأحداث، فلم يكن يريد مخرجنا أبدًا ان يقدم لك مغزى أو فكرة درامية معقدة، بل أراد أن يحكي لك، ولو انتبهت لعرفت أنه [كان يا ما كان … في هوليود].
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد