لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
مَن منا لا يريد أن يشعر بالسكينة في داخله لا يحمل همًّا لشيء ذلك، نُولَد صَفْحة بيضاء فِطْرتنا سليمة نحب الخير للناس، رُوحنا مُشبعة بالسلام ولكن في أحداث الحياة تواجهنا تحديات تخترق سلامَنا الداخلي وهذا ما أدركته في فترةٍ من حياتي، أنه بدون سلامي الداخلي لن أعيش حياة مُريحة مُثمرة، فقررت أن أفعل كل ما بوسعي للوصول لأقصى درجات السلام الداخلي، لأضمن أفضل تجرِبة مُمْكنة في الحياة، وأنا هنا اليوم أشارككم آخر ما توصلتُ له في رحلتي للسلام الداخلي.تقبُّل نفسي
بظُلْمتها قبل نورها، وأَعِي أنني من بني الإنسان ولذلك مسموح أن أُخطئ وأصيب فلا أعلق المشنقة لنفسي وقت الخطأ أو أسمح لغيري أن يشعرني بالذنْب العميق، فقط أتذكر وقت الخطأ إنسانيّتي وحقّي في الخطأ والتعلُّم، فإن الله غفور رحيم في الكبائر فما بالك بأخطاء طبيعية، وهذا لا يعني أنني لا أتحرى الصواب والخطأ والحلال والحرام، ولكنْ كلُّ ما عليَّ فِعله تحمُّل نتيجة خطئي والاعتذار لمن أخطأت في حقه، وأن أتحمل مسؤولية عدم تكرار الخطأ، وهذا الوعي بَنَيْتُه من خلال قراءتي في علم النفس خاصةً كتب الدكتور محمد طه.
أصبحت بهذا الوعي أهدأ وأقرب لشخصيتي وزاد تقديري لذاتي فلا أحاول التصنُّع، أصبحت أسأل نفسي هل أنا اخترتُ أن أكون ما أنا عليه؟ ببساطة لا، وأسأل هل لي يدٌ في تغييره؟ وتكون الإجابة: نعم، فأسعى للتغيير، وفي خطوة تقبُّلي لنفسي واجهتني العقلية التي تميل للمثالية فكان كل ما يوقفها هو أن أذكر نفسي بإنسانيتي وأن المثالية سوف تجعلني جامدةً في انتظار الأفضل في كل شيء، وهذا ضاغط ولن يصل بي للسلام الداخلي.
تقبُّل الآخرين
وقتَ دراستي في الجامعة في قسم الأنثروبولوجيا كان يتطلب مني النزول للميادين ورؤية بيئات فكرية وثقافية مختلفة في تدريب ميداني تحت إشراف القسم، رأيت الناس المختلفة عني في حياد من خلال الأسئلة التي تطلب المشرفة جمع الإجابات عنها، فسمعت الناس البسيطة في تعليمها وحياتها ورأيت أفكارهم دون الحكم عليهم.بعد فرز الإجابات كان هناك دائمًا سؤالٌ أسأله لنفسي: هل أحد منهم اختار أين يولد في تلك البيئة؟ أو أن يُسَرِّبه أهله من التعليم؟ أو اختار لهجته وتراثه الشعبي والأفكار المتوارثة؟ أجد الإجابة: لا، ورغم ذلك يكافحون في الحياة ويتحلون بالأخلاق، وبالتكرار امتلأ وعيٌ بالقبول للآخر دون الحكم على أحدٍ، وزاد ذلك مع نموّ وعيٍ وقَبول نفسي وحب الناس لإنسانيتهم.
الامتِنان
بكثرة الحمد تزيد النِّعم وتَغْنى النفس ويملؤها الرّضا بما قَسَمه الله، كان لدى محاولات في الاستمرار على كتابة الامتنان يوميًا إلى أصبحت عادة وكان أثرها عميقًا جِدًّا في رحلتي للسلام النفسي لأنه ببساطة عندما أقرر شكر الله وأنظر حولي فأجد نِعمًا لا تُعَدّ، وبالاستمرار عليه أصبحتْ عَيْني مُبرمَجة على الْتِقاط النِّعم في أَحْلك الظروف إلى أنْ وجدتُ نفسي أشكر الله على الابتلاء الذي يُقرِّبني له ويغفر ذنوبي، بالطَّبْع الحياةُ لا تسير على وَتِيرةٍ واحدة وأَجِدُ نفسي أبكي وأحزن في الأزمات، ولكنَّ الامتِنانَ أصبح يساعدني على تقليل وَقْت اليأس والحزن ويُشير لي إلى الخير ويعطيني الأمل في كرم الله.
مُسامَحة الأهل
الأمرُ ليس سهلًا، بل يتطلب العمل على بناء وعي وتقبُّل أن الوالدين وكل ما فعلوه في طفولتنا وأن كل ما كان يَشْغلهم هو مصلحتنا وقد فعلوه كل ما بوسعهم، في بداية الرحلة كنت أشعر بالغضب تُجاه أهلي وأتساءل لما لم يتعلموا عن التربية الصحيحة؟ ولكن مع الوقت دلّني الله لوعي جديد هو أن في السابق لم يكن مُتاحًا للأهل الثوْرة المعلوماتية التي أعيش بها الآن.ولم يكن للوعي النفسي والتربويّ صدًى كما هو الآن، فهدأت نفسي وتصالحتُ معها. أصبح دَوْري هو إصلاح أيّ أزمات صدَاها يظهر في الكِبر، وصرت أنصح كُلَّ مَن لا يقدر على تجاوُز أيّ مشكلات في طفولته أن يستعين بأخصائي نفسي ليَصِل لسَلامه الداخلي والصحة النفسية بسلام.
التعلُّم عن العلاقات
العلاقات تمثل جُزءًا كبيرًا وأساسيًّا من حياتنا، فنحن كائنات اجتماعية نتواصَل بشكلٍ دائم، عرفت في رحلتي للسلام الداخلي أنَّني أحتاج لبناء علاقاتٍ صحيّة مُريحة، ولكي يحدث هذا أحتاج للتعلُّم عن فنون التواصل وعن النفس البشرية واحتياجاتها، وكيف أدير علاقاتي والتي بدايتها من داخلي، فإذا أصلحتُ علاقتي بنفسي وأحببتُها أَقْدِر أن أكون أفضل مع مَنْ حَوْلي؛ لأن علاقتي بالآخرين ما هي إلا انعكاسٌ لعلاقتي بنفسي.ولكن بدون التعلُّم عن العلاقات الصحيّة وطبيعة التواصُل لن يمكن أن أَهْنأ بمُتعة العلاقات وسوف أواجِه مُشْكلات في علاقتي بمَن حولي، أو على الأقل لن تكون على أفضل ما يكون، ولكن الحقيقة أن الوعي ليس كافيًا، بل يحتاج للصبر على التطبيق وتعلُّم طريقة التطبيق الصحيحة.
مَنْع التوقُّعات
تعلمتُ مَنْع توقُّع تصرُّفات مُحدَّدة من الآخرين؛ لأنه ببساطةٍ التوقُّعات تُحمِّل الآخرين مسؤولياتٍ هُمْ لا يعلمون عنها شيئًا، ونحن لا نعلم إذا كان باستطاعتهم فِعل ما نتوقع أو يريدونه من الأساس، فمَن حولي لا يعملون بالتنجيم ليعلموا ما أتوقعه وأُخَبِّئه في نفسي دون إِخْبارهم، وبذلك أحمي نفسي من شعور الخِذْلان الوَهْميّ المنتشر بين الناس وهذا ما تعلمته على يد مدرب تطوير المهارات أحمد حسين الذي يعود له الفضل الكبير في وضع إضاءات في رحلتي للسلام الداخلي.اختيار العلاقات بعنايةٍ
فقُمْتُ بتَصْفية أصحابي وتقليل القُرْب مع السلبيّ مِنهم النمَّام، والشكَّاء، والمُتكبِّر، السّطحيّ، والحَقُود، وكُلّ الصفات السلبية التي يصعب تحمُّلها وتَسلُب السلام الداخلي من الشخص وتُصدِّره لمن حوله، بالطَّبْع مَن تبقَّى ليس مثاليًّا ولكن عيوبهم في سلوك غير مؤذٍ لسَلامي، فوضعتهم في دوائر قريبة ومتوسطة وبعيدة لتجنُّب أكبر قدر من الأفكار المُعدية، واختيار الأشخاص طَيِّبِي القلب الذين يحبون الخير لغيرهم، المِعْطائِين قَدْر المُستطاع، وعلمتُ أنّ الخير في القلة الصادقة والعِبرة ليست بالعدد ولكن بجَوْدة العلاقة.حُسْن الظنّ بالله
رحلة السلام الداخلي كلها خطوة فيها هي من توفيق الله وبناء علاقة مع الله تملؤها الثقة والتوكل والتسليم لقضائه، أصبحت العلاقة المتينة الداعمة التي تجنّبني الصراعات والقلق من المستقبل أو الندم على الماضي، فحُسْن الظنّ بالله يبعث في نفسي سكينة تجعلني أعيش اليوم واللحظة الحالية وتدعمني في محاولات توقُّف التفكير الكثير، فأصبحتُ عندما أَغْرق في التفكير يغلب عليّ قول لا يُكلّف الله نفسًا إلا وُسْعها وهذا وَعْد الله فتتخلَّلني السَّكِينة.
وفي النهاية… وجدتُ أنّ الخطوات التي اتخذتها في رحلة سلامي الداخلي ما هي إلَّا رحلةٌ تحتاج للصَّبْر على الجهاد مع النَّفْس مع كل الأفكار السَّلبيّة المُتوارَثة وقِلّة الوَعْي لتَصِل لمُسْتويات وَعْيٍ أفضل تَضْمن لي صِراعاتٍ أقلَّ مِن داخِلي وخارجي، وأُذكِّرك وأذكِّر نفسي أنَّ جهاد النفس قال عنه الله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) في كتابه، ولذلك هي رحلة زادٍ من الحَسَنات فابدأ رحلتك واستعن بالله.