لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
ثورة إلكترونية العالم بأسره يضج بإنجازاتها، قلصت المسافات وجعلت من العالم قرية صغيرة، رسائلك بعد أن كانت تقطع مسافات وأيامًا لتصل، أصبح بإمكانك أن ترسلها في خلال جزء من الثانية، تعليم إلكتروني، مؤتمرات وندوات تُعقد عن بعد، حكومات بأكملها تحولت من التعامل الورقي إلى خدمات معتمدة على الإنترنت. إنجاز عظيم وغير مسبوق يُحسب لهذا الجيل من البشرية، ولكن مهلًا..
فلهذه الثورة جانب آخر مظلم، بل حالك السواد، ويلقي بضلاله على حياتنا وخصوصياتنا، ويؤرق الحكومات والشركات والبنوك على حد سواء، آلا وهو الجرائم الإلكترونية، هل سمعت عنها من قبل؟
ما الجرائم الإلكترونية؟
هي عمل أو نشاط غير قانوني يتم عبر شبكة إلكترونية، ويقوم به مجموعة من الأفراد يُطلق عليهم القراصنة، ولا تختلف كثيرًا عن الجرائم العادية، فهي تتكون من ذات الأركان وهي: الجاني، والعمل الإجرامي، والضحية، وتتنوع على حسب الغاية والهدف. وأشهر تلك الجرائم هي ذات الطابع الشخصي، التي تستهدف الأفراد؛ لغرض الحصول وبطريقة غير شرعية على هويتهم الإلكترونية، كالبريد الإلكتروني أو حساباتهم الاجتماعية وكلمات السر الخاصة بهم، بالإضافة إلى جرائم سرقة الصور الشخصية والملفات المهمة من أجهزة الضحايا.
وهناك جرائم بدافع سياسي محض، تستهدف الحكومات، ويكون الهدف منها هو تدميرها وسرقة البيانات والمعلومات منها، كالهجوم الذي تعرضت له وزارة الخارجية النمساوية في الخامس من يناير عام ٢٠٢٠.
والمعضلة الكبرى في مثل هذه الهجمات، هو أنه لا نستطيع التنبؤ بها والاستعداد لها، فهم يختارون الوقت المناسب جدًّا، عن طريق استغلال الثغرات الأمنية، فمن منا لم يسمع باختراق الأجهزة المستخدمة خلال الحملات الانتخابية الأمريكية بين أوباما وجون ماكين عام ٢٠٠٨، حيث تمكنت مجموعة من اختراق تلك الأجهزة ونشر جميع البيانات الخاصة بالحملات، وتم مصادرة تلك الأجهزة لغرض تتبعهم؛ ولم يتوصلوا للفاعل إلى يومنا هذا.
كما تعتبر المواقع العسكرية صيدًا ثمينًا يسيل لعاب القراصنة من أجله، ويسعون إليه لغرض سرقة معلومات متعلقة بأمن الدول وجيوشها. وبالطبع لا تكتمل فسيفساء الجريمة الإلكترونية إلا بجرائم النصب والاحتيال، ففي سنة ٢٠١٧ على سبيل المثال تم رصد حوالي خمسة وسبعين ألف هجوم عن طريق برنامج خبيث، في تسع وتسعين دولة؛ لغرض الابتزاز المالي، وفي عام ٢٠١٤ تعرضت شركة سوني لاختراق من قبل مجموعة تدعى حماة السلام، وقامت بالحصول على بيانات الموظفين، وأوضاعهم المالية من مرتبات وغيرها، وقاموا بتنزيل الكثير من الأفلام التي تم نشرها على شبكة الإنترنت مجانًا، مما تسبب في خسائر مالية فادحة للشركة.
ولا ننسى طبعًا جرائم السب، والقدح، والتشهير، والفيروسات، التي تحدث يوميًّا وعلى نحو متواصل، وخاصة في الدول التي لا تملك جهازًا أمنيًّا لمكافحة جرائم الإنترنت.
ومما يزيد من صعوبة التعامل مع هذا النوع من الجرائم أنه لا توجد حماية بنسبة ١٠٠%، والخطر دائمًا متجدد، بسبب عدة عوامل منها: سهولة الوقوع في فخها لغياب الرقابة الأمنية، وصعوبة الكشف عنها إلا باستخدام أساليب تقنية عالية. ولأنها سلوك خارج عن المألوف فهي ذات عنف وجهد أقل، ولا يحكمها زمان ولا مكان، فقد تحدث في أي وقت، ومما يزيد من انتشارها سهولة إخفاء الجريمة والأدلة، التي تدل على الجاني، مما يعطيه حسًّا بعدم المسؤولية ومزيدًا من الجرأة.
افتراضية أم واقعية؟
إن شبكات الإنترنت اليوم أصبحت أرض معركة حقيقية، قد تبدو لنا افتراضية، لكن نتائجها على الواقع واضحة ومؤثرة. وبات الجميع يعرف الصراع الإلكتروني المحتدم، والمتجدد كل يوم بين أمريكا وروسيا والصين، ودخول إيران على الخط مؤخرًا. ولعل أحدًا ما هنا يتساءل: لما كل هذا الاهتمام بهذا الميدان، ويتم بشكل مستمر وبوتيرة متزايدة تجنيد أفراد لحساب الدول وهو ما يعرف بالجيوش الإلكترونية؟
والجواب هو أننا نعيش عصر المعلومات، وأيّما جهة امتلكت معلومات وفيرة ومتجددة، يمكنها أن تؤثر وبقوة على أرض الواقع وفي كل المجالات.
وكل ما ذكرناه سالفًا يعتبر غيضًا من فيض، ولا يمكننا أن نكون بمنأى عن تلك الهجمات، ولكن هناك بعض الإجراءات الاحترازية، التي قد تنقذك في يومٍ ما على الصعيد الشخصي. فعلى سبيل المثال: لا تفتح رسائل ذات مصدر مجهول، أو تضغط على رابط مريب، وتجنب تنزيل البرامج من مواقع مجهولة مع استخدام برامج مضادة للفيروسات، وعدم الوثوق بأشخاص مجهولين مهما بَدَوْا لنا أنهم جيدون.