لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
قديمًا كان العالم يعتمد اعتمادًا كليًّا على الزراعة، يزرعون ليأكلوا ليعيشوا فقط، أسلوب الكسب هذا جعل من الحياة شاقة للغاية، فكل شيء توصل له الإنسان من أسلحة، وملابس، وأدوات تُنتج بطُرق شاقة قطعة قطعة. وبعد أن كان اقتصاد العالم يعتمد على الزراعة والرعي بنسبة ٨٠ %، تحول إلى اقتصاد يعتمد على الصناعة فيما يعرف بالثورة الصناعية.
فما الثورة الصناعية وكيف بدأت؟
وفقا لتعريف كلاوس شواب -مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي- في كتابة الثورة الصناعية الرابعة حيث يقول: “إن الثورة الصناعية هي ظهور تكنولوجيا جديدة وطرق مبتكرة لرؤية العالم من حولنا والتعامل معه، مما يقود إلى تغيير عميق في البعدين الاقتصادي والاجتماعي”. حيث بدأت الثورة الصناعية من بريطانيا، في القرن الثامن عشر، وقد مهدت لها عدة عوامل دينية واقتصادية منها على سبيل المثال:
١. اضطهاد الكنسية للعلم والعلماء بعد عصر النهضة ببقية أوروبا، حيث اعتمد علمائهم على المنهج العلمي -أيْ عدم قياس أي ظاهرة كونية على أقوال الكنيسة- بل بالتجربة والبرهان. فقبل الثورة بقرن اخترع نيوتن قانون الجاذبية، وساد في البلاد حالة من الجوع للمعرفة، والرغبة في الابتكار.
٢. بما أن معظم الصناعات كانت تتم في المنازل وكان يطلق عليه “اقتصاد الكوخ”، ويعمل عليه كل أفراد العائلة، فكانت الحياة صعبة، فحفزت رغبة طبقة مالكي الأعمال في التوسع بالصناعات وزيادة الإنتاج، فاستمروا في عقد اجتماعات دائمة تشاورية حول الحلول الممكنة مع العلماء والمهندسين والمفكرين؛ لتطوير الصناعات، وهو ما يعرف بالتنوير الصناعي.
وفي ظل الاستقرار السياسي الذي كانت بريطانيا تتمتع به بخلاف جيرانها الأوربيين، توسعت بإنشاء الطرق، والقنوات المائية، ومع ازدهار التجارة ظهرت الحاجة لإنتاج البضائع الجاهزة للبيع، والإنتاج يحتاج لمصادر طاقة غير الحطب الذي كان مصدر الطاقة الوحيد آنذاك، فاتجه الناس للفحم كبديل، والذي كان في بريطانيا الوصول إليه أسهل مقارنة بالبلدان الأخرى، وذلك لقربه من سطح الأرض.
وتم اتخاذه كأول مادة أولية يُعتمد عليها كمصدر للطاقة بتاريخ البشرية على مستوى الإنتاج. ولكن كما يحدث دائما عندما يزيد الطلب على شيء؛ يصبح توفيره مُكلفًا، فمع زيادة الطلب على الفحم تطلّب الأمر لاستخراجه من باطن الأرض، ومع زيادة العمق في الحفر فاضت المياه الجوفية مما أدى إلى ركود الفحم تحتها، فظهرت حاجة جديدة من نوع آخر، وهي ضرورة وجود آلة تضخ المياه للخارج بدلًا من الطرق البدائية.
فتمكن توماس نيوكو من اختراع رافعة تعمل بوقود الفحم الذي يصدر البخار وكان ذلك عام ١٧١٢. ومع أول استخدام لها ظهرت عيوب تلك الآلة، فهي تحتاج لكميات كبير من الفحم بالإضافة إلى جهود مضنية لتبريدها.
تحالف الأغنياء مع العلماء
رجل ثري يُدعى ماثيو بولتون، امتلك معملًا لتشكيل الحديد خلف بيته في مدينة برمنجهام، وأطلق اسم “سوهو” على ذلك المعمل، كان يعتمد في تشغيل معمله على طاقة المياه من خلال بحيرة بالقرب منه، لكن تلك البحيرة جفّت بسبب موجة جفاف عام ١٧٦٦، ففكر بطريقة تحرر الإنتاج من تأثير عوامل الطبيعة، فاتجه إلى العالم “جيمس وات” الذي يعمل في ذلك الوقت على تطوير آلة البخار سابقة الذكر.
وبالفعل طور اختراعه بمساعدة حدادي برمنجهام المهرة، واعتمد بولتون الآلة في معمله؛ ليتحول سوهو إلى أول مصنع في العالم، يعمل فيه العمّال خارج منازلهم وورشهم على خطوط الإنتاج. وتحولت برمنجهام من قرية بسيطة إلى مدينة يسكنها آلاف السكان؛ بسبب توفير فرص عمل كثيرة.
تحالف الأغنياء مع الحكومة
بعد تحالف الأغنياء مع العلماء، نتج عن ذلك جَنْي ثروة كبيرة جدًّا، وكعادة الأغنياء، فقد فكّروا في زيادة هذه الثروة عن طريق تحالف مع الحكومة مقابل توفير الحماية للبضائع أثناء نقلها. فسخّرت الحكومة القوة البحرية البريطانية لحماية التجارة بدلًا من الهجوم وشنّ الحروب. فحماية البضائع تعني بيع كميّات كبيرة منها، وهذا يعني ثروة أكبر. وهذه الثروة كانت بمثابة الكنز الذي فتحت بريطانيا صندوقه، فتكوّنت نواة اقتصاد جديد يعتمد على رأس المال، ومع نهاية القرن الثامن عشر صدّرت بريطانيا بما يعادل ٢.٥ مليار قيمة بضائع مصنعة على أراضيها، وتحولت لندن لمركز مالي. ولم يقتصر تأثير الثورة على بريطانيا، فوصل مدّها إلى أمريكا والغرب.
سلبيات الثورة الصناعية
برغم كل إيجابيات الثورة الصناعية، وانعكاساتها المذهلة على حياتنا، واستمرارها في التطور، فإنها لها سلبيات ذات تأثير ضخم. فبسبب فرص العمل التي توفرها أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من سكان القرى والأرياف للمدن، بحثًا عن وظيفة، وتأمين سكن، وسعيًا لرفع الدخل، وهذا سبّب اكتظاظًا سكانيًّا؛ مما يجعل المدن بيئة غير صالحة للعيش فيها. وتوجه اليد العاملة للمصانع تاركين الزراعة؛ سيؤدي إلى إهمال الأراضي الزراعية وبوارها.
كما أن للغازات المنبعثة من المصانع التي تعرف بالغازات الدفيئة، كغاز ثاني أكسيد الكربون وغاز الميثان، لها تأثيرات كبيرة على البيئة ولا سيما على الغابات، وطبقة الأوزون، وتسبب وبشكل مباشر في زيادة تضخم لمشكلة الاحتباس الحراري. ومع كل تلك المميزات التي تجعلنا ننبهر ونصفق لعقول العلماء، تَسْرق السلبيات فرحتنا وتجعلنا نشعر بأننا نعيش على كوكب يشبه كثيرًا الجنة، ولكن ثمارها مالحة.