لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
بدأت رحلتي مع القراءة في مرحلة الطفولة، وقد كنت حينها أقرأ الكتب والمجلات الموجودة في مكتبة الصف المدرسي، وكذلك ما تحتويه مكتبة البيت من كتب دينية كفقه السنة ورياض الصالحين، وإحياء علوم الدين وكذلك بعض الكتب الأدبية والطبية.. وغيرها، وقد كنت أقرأ بلا فهم، وأتذكر حينها استوقفتني كلمة “الاعتكاف” وكنت أرددها أثناء يومي.
الحب الأول كان أول كتاب اقتنيه “قصص الأنبياء” طلبته من والدي -رحمه الله- أتذكر حين جاء بالكتاب لي، مشاعري في تلك اللحظة. لون الكتاب، وشكل الغلاف. وكأنه الآن.. جميلة البدايات دائمًا.
وللقراءة فوائد وعوائد بلا شك فهي مهارة ضرورية أحصل بها على المعلومات، ومنها أتعرف على كلمات وعبارات جديدة وكذلك القراءة بالنسبة لي كانت السبب الرئيسي لنقلات، وقرارات اتخذتها في حياتي أذكر منها تسعة قرارات.
القرارات التسعة
1- أغير العتبة
في مرحلة الإعدادية هي مرحلة إثبات الذات إلا أن البعض قد يحيد عن الصواب ولأن المجتمع المدرسي فيه من كل الفئات فقد تلتقي بمن يتلفظون بالألفاظ البذيئة والسباب، وللأسف ابتليت بهن و”الصاحب ساحب” وتأثيره في هذه المرحلة أحيانا أكثر من الأهل والبيت إلا أن القراءة قدَّمت لي الحماية، وكشفت لي خطورة ذلك فأثناء تواجدي في مكتبة المدرسة قرأت كتاب جاء فيه عن هذه المسألة، وصدمت من أن الأمر جلل فكان القرار بـ “غير عتبة بابك”.
2-اطلب العلم
كان تقديري للعلم والعلماء بصورة عامة نابع من قراءاتي عن فضل ذلك.. ولقد أثرت فيَّ مقولة: “إن استطعت فكن عالمًا، فإن لم تستطع فكن متعلمًا، فإن لم تستطع فأحبهم، فإن لم تستطع فلا تبغضهم” وكذلك مقولة: “إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم” وبالرغم من عدم تفوقي الدراسي واصلت المسيرة التعليمية وقررت أن أكون طالبة علم مدى الحياة بلا توقف “من المهد إلى اللحد”.
3- أن يكون لي أهداف
كانت هنالك موسوعة نفسية عبارة عن سلسلة من الكتب، وتضمنت هذه الكتب كيفية وضع الأهداف، وكتابتها وبناء الخطة. أصبحت بعد ذلك أكتب أهدافي لكل عام وأدون ما تحقق، وانجز منها. فكان لي ملف بعنوان “حياتي” يتضمن إنجازات كل عام مع كتابة العادات الجديدة المكتسبة والعادات السيئة التي تخلصت منها. هذا التدوين كان مدعاة لي على السعي لطباعة كتاب وأنا تحت العشرين من العمر، والمشاركة في معارض الرسم باللوحات، واستكمال التعليم الأكاديمي وكذلك الاستمرار في الأنشطة اللامنهجية، وتعلم المهارات الممكنة والمتاحة آنذاك.
4- تعلم ما يجب تعلمه
كانت مكتبة البيت تحتوي على كتب مخطوطة لبعض الدعاة الناشرين للإسلام في جنوب شرق آسيا، وكنت أقرأ في هذه الكتب ومنها فهمت بأن هنالك علمًا لا بد من أن أتعلمه لأنجو مثل: الفقه الواجب وما يحتوي من موضوعات كالطهارة والوضوء والصلاة. حتى إن هنالك كتابًا في هذا الشأن باسم “سفينة النجاة” هذه العبارات جعلتني أفهم أن العلوم الشرعية جزء منها لا بد من تعلمه سواء في العبادات أو التعاملات وهي في أمور نمارسها بشكل يومي تقريبًا. فكان القرار تعلم الواجبات، وما هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
5- انفتح ذهنيًّا
أعطتني القراءة قدرة على الانفتاح على الأفكار الجديدة وكلما كان الكتاب يطرح فكرًا مغايرًا وجديدًا أو آراء تخالف رأيي، وقد يصل إلى نسف ما أنا مؤمنة به كان ذلك مستفزًّا لي وفي نفس الوقت محفزًّا على القيام بقراءة جديدة لما أنا مؤمنة به مع محاولة الالتزام بالموضوعية فتكون النتيجة إما أن أغير قناعاتي أو أتمسك بها ومعي أدلة، وحجج قوية كقرارٍ بأن يكون ديني الإسلام باختياري.
6- الخروج من القطيع
تنمي القراءة مهارات التفكير، ومنها التفكير الناقد الذي يجعلك تبحث عن الحقيقة ويساعدك في اختيار القرار فكانت اختياراتي، وقراراتي بعيدًا عمّا يفرضه المجتمع وما يقرره الوعي الجمعي فالقراءة تقدم أدلة ودعائم ساعدتني على تقوية حجتي لأخرج من القطيع فيما أعتقد أنه غير صحيح. والخروج هُنا لا يعني أن الجماعة على خطأ دائمًا ولكن هو خروج في حال ما إذا كنت متأكدة بأني على صواب، بالرغم من أن السير مع القطيع أسهل إلا أن القراءة جعلتني أرفض التقليد الأعمى ليس في الأفكار فقط بل حتى أثناء التسوق “فلا أشتري كتابًا لأنه الأكثر مبيعًا، ولا أستخدم منتجًا معينًا لأن النساء كلها تستخدم هذا المنتج… “.
7- السفر والترحال
أثناء قراءتي في السير والتراجم للشخصيات الملهمة من الماضي، والحاضر وجدت عنصر السفر، فلا تخلو أيّ ترجمة غالبًا من ذكر “سفره وترحاله”. بالإضافة إلى أقوال العلماء للترغيب، ومنها الأشهر قول الأمام الشافعي: “تغرب عن الأوطان في طلب العُلا …. وسافر ففي الأسفار خمس فوائد” فكان حزم حقيبة السفر بقصد اكتساب العلم، والإثراء المعرفي والثقافي لشخصيتي قرارًا.
8- نشر مفهوم “الحب الخالد”
كان هذا عنوانًا لكتاب من تأليف محمد الحجار، وحين وقع في يدي ظننت بأنه يتكلم عن الحب بين الرجل والمرأة كقصة روميو وجولييت، وقيس وليلى. أتذكر بأني أخذته خفية من مكتبة البيت حتى لا أضع نفسي في مواطن الشك.. خاصةً وأني ما زلت بين الطفلة التي كبرت والفتاة المستجدة، وحين بدأت في قراءة الكتاب وجدته يتكلم عن حب الله في الوقت الذي لم تبقَ أغنية ولا مسلسل، ولا فيلم، ولا رواية إلا ويكون محورها الحب والعلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة. فتعلمت المونتاج لإيصال موضوع “الحب الخالد” من خلال عمل فيلم يشرح هذا الحب والسعادة التي يعيشها العارفون كما قال أحدهم: “نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف”.
9- المساهمة في الأعمال التطوعية
العطاء الإيجابي لمجتمعي بدايةً من العائلة إلى المجتمع الأكبر والدائرة تتسع. جاء ذلك نتيجة لقراءات في الكتب المهتمة بالحضارة والتي تنوّه إلى دور الإنسان وكذلك التي تحثّ على العمل الخيري وأثره على من يقوم به وعلى المجتمع. فمن خلال المتاح شاركت في التنسيق لبرامج وندوات تسلط الضَّوْء على بعض السلوكيات الحضارية وذلك خلال أكاديمية “دلة” للعمل التطوعي ومراكز الأحياء ومن بين هذه السلوكيات: حفظ النعمة، والاهتمام بالبيئة.. وغيرها. كذلك تنظيم لقاءات للأطفال بغرض صناعة جيل يحب الخير، ويسعى للابتكار والتطوير.
وفي النهاية القراءة هي المبتدأ فهي الآية الأولى “اقرأ بسم ربك الذي خلق” فلا عجب من أن تكون هي البذرة الأساسية للكثير من قرارات حياتي واختياراتي.