لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
“نجاحك وسعادتك يكمن فيك، اعزم على الحفاظ على سعادتك وفرحك، وستصبح آنذاك امرءًا لا تقهره الصعوبات”
هل تظن أن كلمات “هيلين كيلر” هذه ليست سوى مداعبة لطيفة لأذهان الناس؟ إذن بماذا ستحكم على المقولة إن رأيتَ تطبيقًا عمليًا لها بحياة رونالد ريجان أحد أشهر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم؟ .. تفضل معي لنتعرف عليها معًا. قبل الدخول لقصة “ريجان” ربما يجدر التعريف بصاحبة المقولة بالمقدمة، وهي هيلين كيلر، فهي أديبة ومحاضرة وناشطة أمريكية، ولدت 1880م وتوفيت في 1968م، وتعتبر أحد رموز الإرادة الإنسانية، فقد فقدت السمع والبصر، ورغم ذلك تغلبت على الإعاقة، وحصلت على بكالوريوس الآداب، وقصتها مشهورة.
والآن.. نعود إلى رونالد ريجان
يحكي مؤلف كتاب “نوادر رئاسية” بول بولير أنه في عام 1932م، لم يكن الشاب رونالد ريجان يحلم سوى أن يصبح فقط معلقًا ریاضيًا، فذهب إلى شيكاغو للعمل بإحدى محطات الإذاعة.
هناك في محطة دبليو أوسي الإذاعية، حدث له موقف طريف إذ قابل مسئولاً فيها كبير السن اسمه «ماك آرثر»، يستعين بعكازين ليساعداه على المشي، سأله رونالد عن إمكانية العمل كمعلقٍ رياضيٍ في المحطة، فاعتذر آرثر، وقال إنه لا توجد أية وظائف شاغرة، فاستاء رونالد ريجان بشدةٍ ولم يتمالك أعصابه من الغيظ، فقال لآرثر بغضب: “يبدو أنهم كانوا عميان حين عيّنوا أعرج مثلك معلقًا رياضيًا !.." ثم ركض بأقصى سرعته باتجاه المصعد.
اغتاظ آرثر، فتابعه وهو يضغط على عكازيه بكل ما أوتي من قوة ليلحق به، ولسوء أو حسن حظ رونالد ريجان أن المصعد كان مشغولاً، فلحق به آرثر وهو يمطره بوابل من السِباب. استمر ذلك لفترة، ثم هدأت ثورة «آرثر»، فسأل رونالد عما إذا كان يستطيع أن يعلق على أحداث مباراة، ويجعل المستمع يستمتع بها وكأنه يشاهدها في الملعب.
هنا ظهر إيمان رونالد بقدراته رغم أنه بلا خبرة مطلقًا بهذا المجال، فرد بثقةٍ بالغة وبلا أدنى تردد: نعم. وفي الأستوديو، أمسك بالمايكرفون، وجلس يعتصر ذاكرته، فتذكر مباراة لعبها وهو بالجامعة، وراح يعلق عليها من ذاكرته: «سيداتي سادتي .. مساء الخير.. الآن ننقل لكم الوصف التفصيلي من مباراة… الجو اليوم يميل إلى البرودة وهذا شيء طبیعي، فنحن الآن في أواخر شهر نوفمبر، ومضى ريجان في تعليقه، ونجح في الاختبار، وحقق أمنية حياته، وأصبح معلقًا رياضيًا.
لكن .. هل توقف رونالد عند هذا الحد ؟
في الكتاب السابق (ترجمه الكاتب مجدي قطب) سنجد أنه في عام 1937م، رافق رونالد ريجان أحد الفرق الرياضية بإحدى رحلاته إلى ولاية كاليفورنيا، وهناك استغل الفرصة، وأجرى اختبارًا لتحديد مدى صلاحيته للعمل كممثلٍ سینمائي، ونجح في الاختبار، وتحمس له أحد العاملين بمجال السينما واسمه «ماکس»، ووصفه بأنه “روبرت تايلور” جديد في عالم التمثيل.
(وروبرت كان نجمًا سينمائيًا بفترة الثلاثينات وبلغ أجره عام 1936م 2500 دولار، وكان رقمًا مذهلاً حينها). وبالفعل تم التعاقد مع رونالد ريجان للعمل في السينما، ليبدأ صفحة جديدة في حياته، مع الأضواء والشهرة في عالم هوليود الصاخب.
ثم .. في غمرة سعادته بعمله كممثلٍ سينمائي، اندلعت الحرب العالمية الثانية، وتأثرت مظاهر الحياة المختلفة بالولايات المتحدة، وتجمّد نشاطه الفني، إذ قضى أربعة أعوام مجندًا بالجيش، وبعدها لم يستعد مكانته الفنية التي حققها قبل الحرب، وبدأ مستقبله بالتمثيل يتداعى، ففكر بمجالٍ جديد، واتجه إلى التليفزيون.
هناك عمل ثماني سنوات كمقدم برامج، وتجسيد بعض الأدوار الفنية على الشاشة الصغيرة. أثبت رونالد نجاحًا هنا أيضًا، فحاز إعجاب رؤسائه، ونصحه أحدهم أن يحدد لنفسه فلسفة معينة يستطيع أن يتبناها.
العمل بالسياسة
يواصل رونالد ترجمة إيمانه بقدراته فيقرر تعميق اهتماماته السياسية، وفي أوائل الستينات يدافع عن سياسة الاقتصاد الحر، ويشن هجومًا على السياسات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية لمواجهة أزمة الكساد الاقتصادي الشهيرة. وفي 1964م، وأثناء حملة انتخابات الرئاسية الأمريكية التي كان يتنافس فيها الرئيس الراحل ليندون جونسون عن الحزب الديمقراطي، وجولد ووتر عن الحزب الجمهوري، ألقى رونالد ريجان خطابًا بالتليفزيون للدعاية لجولد ووتر.
أحدث الخطاب دويًا كبيرًا واتجهت الأنظار إلى رونالد، ما جعل بعض رجال الأعمال يطلبون منه أن يرشح نفسه حاكمًا لولاية كاليفورنيا. تردد رونالد ريجان بالبداية، إلا أنه وافق، ورشّح نفسه بانتخابات ولاية كاليفورنيا، ونجح، وأصبح حاكمًا للولاية عام 1966م، واقترب بذلك كثيرًا من واشنطن في رحلته الطويلة التي قطعها نحو البيت الأبيض ورئاسة الولاية المتحدة.
لا تستسلم
في قصة “رونالد” يتضح أن الرجل آمن بقدراته، ولم يدع اليأس يسيطر عليه، وعندما تأثر مجال عمله بظروفٍ لا دخل له بها لم يستسلم للإحباط، وإنما بحث عن مجال جديد ليواصل نجاحه. ليس المهم في القصة أن “رونالد” وصل بنهاية المطاف إلى رئاسة أمريكا، ولكن لأنه لم يستسلم. فالاستسلام يعتبره كثيرون حماقة.
من هؤلاء الأديب الأمريكي “أرنست هيمنجواي” إذ يخاطب العجوز في روايته “العجوز والبحر” فيقول له: إنها حماقة أن يسيطر اليأس على الإنسان، وفي اعتقادي أن اليأس نفسه خطيئة، ولست واثقًا أنني أفكر باليأس أو أؤمن به، هناك في الحياة أفراد يعيشون للتفكير في اليأس، دعهم يفكرون فيه هم، أما أنت أيها العجوز فلقد خُلقت لتكون صيادًا عظيمًا”. وأنتم أيضًا أعزائي .. خُلقتم لتكونوا شيئًا عظيمًا.