لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
من عمر السابعة حتى التخرج ونحن في حياة مجدولة من عامٍ دراسي لآخر تقتطعها عدة أشهر إجازة صيفية يمتلك العديد خطة معينة لها لتنتهي ببداية عامٍ جديد وهكذا.. أعوامًا تمر ببداية العام الدراسي لانتهاء العام الدراسي ما بين الواجبات والدروس والمهام حتى آخر سنة في الجامعة، تُشارف حياتك الدراسية على الانتهاء مرهقة روحك ما بين المحاضرات والمشاريع التي لا تنتهي ومشروع التخرج الذي سرق نومك وطاقتك وفكرك تتوق للحظة التخرج.
مُمتلئ بالأمل للعمل في تخصصك بالقدر الذي تشعر أنك تشبّعت فيه من المعلومات طوال مسيرتك الجامعية، والبعض ينتظر لحظة التخرج بفارغ الصبر حتى يأخذ قدرًا من الراحة وقد حددها مسبقًا بسنةٍ أو أكثر، تختلف الرغبات والتوقعات والأحلام والانتظار.
كانت تراودني العديد من الأفكار لحياة ما بعد التخرج وكنت أحدّث بها نفسي قبل غيري كمحاولة إنقاذ، لم أفكر يومًا في كتابة هذه الأفكار في مقالة إلا بعد تغريدة قرأتها خلال مدة قريبة لخريجة تشرح فيها مدى سوء الحياة بعد التخرج ولاقت هذه التغريدة رواجًا كبيرًا بين الخريجين وتكاثرت التعليقات من سوءٍ لأسوأ، وكما أن التغريدة انتشرت في وسطٍ عربي أيقنت حينها أن المشكلة منتشرة لحدٍ واسع أكبر مما ظننت، ويظن الجميع أنه يعيش تلك المتاهة والضياع والاكتئاب كما وصفها الكثير.
يتخرج البعض ويجد رزقه أمامه، والبعض يتأخر رزقه فيضيع… يبدأ بعدّ سنواته الدراسية وأنه أفناها دون فائدة، عزيزي الخريج لنتفهم الأمر قليلاً أدليت بكلمة (رزق) بدلاً من (وظيفة) لأن حقيقة الوظيفة هي رزق بشكلها المجرد دون شغف أو ممارسة ما تم تعلمه وإضاعة الوقت أو ممارسة ما نحب أو مكانة اجتماعية فقط، ثم نعيد ونؤكد أن الرزق بيد الله وحده، وليس بيد مسؤولٍ أو شركةٍ أو قطاعٍ ما، واليقين بهذه النقطة هو المصباح لهذا الطريق، وأن ما عليك الآن إلا السعي بذلك المصباح.
لا أعلم حقيقةً أين ستجد المحطة التي سينتهي سعيك فيها وتستريح، أو كم محطة ستمر حتى، لكن ما أعلمه عزيزي الخرّيج وصديقي في هذه الحياة أن الحياة بأكملها تتطلب منا السعي وأن في سعينا عبادة، وفي يقيننا توكّل، فشدّ على عزيمتك وإصرارك وابحث عن طريقك.
المنافسة شديدة
سيجد البعض صعوبة في تقبّل ما كتبت، وسيجد في عقله العديد من الأعذار لتحبطه “سنوات عدة درستها، متخرج بامتياز، متخرج بمرتبة الشرف، تخصصي مطلوب “أعلم أنك فعلت كل ما عليك وعلى أكمل وجه، ولكن سوق العمل الآن تنافسي جدًا ويحتاج لمن يعرف مداخله ومتطلباته، لنعود للخلف قليلاً، هل تذكر عندما كنت في الصفوف الجامعية؟ كم عدد الطلاب معك بذات التخصص وكم عدد المتفوقين منهم؟ وكم عدد الطلاب بنفس التخصص في الجامعات الأخرى؟ وعدد الطلاب بنفس تخصصك الذين تخرجوا في العام السابق؟
ستعلم هنا أن أعدادًا هائلة تتنافس معك على الفرص المتاحة، الإحباط ليس حلًا، والجلوس مكتوف اليدين وكأن الوظيفة ستحلّق وتطرق بابك دون سعي ليس حلًا أيضًا، ومجالستك لأولئك الذين يشتمون كل أنظمة العمل والوظائف أجمع وينهون حديثهم بـ “خلها على ربك” ليس حلًا، أخذك لاستراحةٍ طويلة بعد التخرج دون نهاية أيضًا ليس حلًا.
كما أنه ليس عليك معرفة عدد البطالة كما عليك معرفة حجم التنافسية في سوق العمل، وليس عليك حل أنظمة العمل كما عليك البحث عن وظيفةٍ مناسبة، تجاهل المحبطين واجعل بينك وبينهم حاجزًا، الكثير من المحبطين وأصحاب الطاقة السلبية الذين تواجههم عزيزي الخريج هم إما من سبقونا في “زمن ما بين تخرجه ووظيفته إلا أسبوع” ولم يعلموا قدر الصعوبة التي تغيرت على مر السنوات، أو أولئك الذين إما يستمتعون برؤيتك محبطًا ويائسًا، أو أولئك الذين لم يجدوا فرص العمل ويريدونك أن تبقى في محيطهم، وأنت صاحب القرار إما أن تتوقف أو تسعى.
أخبرتك مُسبقًا صديقي الخريج أن الوظيفة رزق والسعي لها عبادة واليقين بالله توكل، وأن هذا مصباحك لهذا الطريق وستجد بصيرتك ووظيفتك ومستقبلك بإذن الله، والحياة ما بعد التخرج أعمق وأمتع وفيها خيارات عدة أكثر مما نظن. لم تكتب هذه المقالة فوق كرسي الوظيفة بل من صديقٍ لصديق يشاركك الطريق ذاته والسعي واليقين ذاته.