لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
إن أطفالنا عجائن سهلة التشكيل تتشكل حسب الإناء الذي توضع فيه. فإن وُضعت في إناء الحُب فسيتولد جيل يُحِب ويُحَب، وإن وضعت في إناء من التردد وانعدام الثقة فسيتولد جيل يحمل صفات ذلك الإناء وهكذا. إنها أوانٍ كثيرة لا حصر لها ولا عد. ولكن من الذي يصنع تلك الأواني؟
هناك الكثير من العوامل التي تشارك في صنعها
البيئة والأصدقاء والمجتمع وغيرها الكثير. نعم إنها عوامل مؤثرة قد تولد طفلا ناجحًا وآخر فاشلاً وقد ترفع هذا وتحبط ذاك. وكثيرًا ما سمعنا عن أطفال دمّرهم المجتمع أو المدرسة أو الأصدقاء فأضحوا آلات في أيدي الآخرين، بل عبيدا لا رأي لهم ولا فكر.
إن الإنسان متأثّر بطبعه مهما تم عزله؛ لذلك فالتقليد عند الأطفال يأخذ أبعاده في سنٍ مبكرة فقد يبكي الطفلُ مقلدًا وقد يضحكُ مقلدًا. يقلد الطفل أفراد المجتمع الناجح فيصبح مثلهم يتحلى بصفاتهم ومزاياهم ومن هنا جاءت ضرورة أن ينشأ الطفل ويعيش في أحضان مجتمع راقٍ دينيًا وأخلاقيًا. لقد وضع الله سبحانه وتعالى الرحمة في قلوب البشر ليتراحموا فيما بينهم غنيّهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم. ولكن أين نجد الكم الهائل من الرحمة؟
قلب الأم، نعم إنها الأم
ولن أتكلم هنا عن صفات الأم ومن تكون فالكل يعرف من تكون، ولكنني سأركز على دورها ووظيفتها وواجبها في دعم طفلها ونهضته ورقيه وإسعاده وإمداده بالقوة اللازمة لجعله يواجه أحداث الحياة دون خوفٍ أو تردد. إنها مسؤولية عظيمة تقع على عاتق الأم. مسؤولية بناء شخصية طفلها بناءً شامخًا عاليًا، فالأم هي الحياة الأولى لطفلها قبل أن يواجه الحياة.
يا أيتها الأم الكريمة إن الإنجاب يتبعه تنشئة وتربية، فإن فكرت في إنجاب واحد فلا بد أن تكثّفي جهودك في البحث والتنقيب عن كيفية تربية هذا الطفل الوحيد وتنشئته النشأة الصالحة القوية. وإن فكرت في إنجاب ثلاثة فلا بد أن يزيد سعيُك نحو تثقيف نفسك، وكلما زاد طموحُك في الإنجاب عليك بتنوير عقلك وروحك والغوص في مكتبات التربية حتى تصبحي قادرة على إعطاء طفلك ما يحتاجه من دعم في حياته. لا بد أن تتناسب ثقافتك التربوية طرديًا مع طموحك في الإنجاب لإعداد لَبِنات مُجتمعية قوية لا تهزها الرياح العاتية. فالعبرة ليست في تكويم الأطفال ثم إلقائهم في غيابة الجب! بل العبرة في قدرتك على التربية وفهمك لها وإتقانك فنّها.
ولا يفهمني البعض بشكلٍ خاطئ أنني مع تحديد النسل لتصبح الأم قادرة على التربية، كلا، أنجبي العدد الذي تشائين ولكن ثقافتك التربوية لا بد أن تسير مع رغبتك في الإنجاب بشكلٍ موازٍ، فأنتِ الملجأ الأول لأطفالك بك تكبر عقولُهم ونفوسُهم وبك يتحدَّون الصعاب وبك يتحدثون وبك يصعدون.
لماذا تشتكي الأمهات من أطفالها؟
إن ٨٠ بالمائة من أخطاء الطفل سببها الأم وطريقة التربية الخاطئة ولا أبرّئ الأب فالإثنان مسؤولان. تشتكي الأم من عناد طفلها ولا تدري أن تدليلها الزائد سبّب ذلك العناد. تشتكي من عصيانه ولا تدري أن انشغالها عنه بعملها أو دراستها سبب العصيان. تشتكي من تمرّده ولا تعلم أن انعدام لغة الحوار هي السبب الأساسي. إذا هممت بالتشكي من طفلك فانتظري لحظات وراجعي نفسك وأساليب تعاملك معه، انظري للبيئة حوله هل توفرت فيها المعايير التربوية الصحيحة. هل أنت أم مسؤولة حقًا؟! هل أخذ حاجته من حبك وحنانك؟
في يومٍ من الأيام عندما كنتُ في اجتماعٍ للأمهات نتجاذب فيه أطراف الحديث التربوي قاطعتنا إحدى الأمهات المنشغلة عن أطفالها بدراستها قائلة: (وهل سأترك كل انشغالاتي حتى أربّي أطفالي؟) نعم يا سيدتي الأصل أن تتركي كل ما يؤثر على نفسية وتربية طفلك وبعد أن يشتد عوده ويقف على قدميه ويعتمد على نفسه حققي ما تتمنَّين تحقيقه. فالأم راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها. فليس لك عذر في تسليم المجتمع أطفالاً مشوهة تربويًا بسبب انشغالاتك.
كيف أستطيع كأم أن أجعل طفلي قويًا؟
إنه الإيمان، إيمان الأم بطفلها وأنه لا شك قادر على أن يأتي بما لم تستطعه الأوائل هو ما يجعل منه قويًا مبادرًا ورجل مواقف. شتّان بين أمٍ جهلت معاني التربية فدمّرت طفلها بكلماتها القاسية (أنت لا تستطيع ولن تستطيع) وأخرى علمت ففهمت فربّت فكانت كلماتُها كالبلسم الرقراق (أنت تستطيع وستستطيع). فتارةً يأتيها طفلها محبطًا يصْعُب عليه الوقوف على قدميه فتشجعه وتعلمه فهي على يقين أنه يستطيع.
وتارةً أخرى يشعر بالاستياء ممن حوله فترفع معنوياته وتشعره أنه قادر على مواجهتهم. وقد يأتيها محتاجًا العون والمساعدة لإلقاء كلمة أمام حشدٍ كبير من المشاهدين فيكون دورها عظيمًا ومهمًا في إنبات بذور الثقة عنده.
ولا ننسى الأمهات القويات اللواتي ربّين أطفالهن على المهام العظيمة كوالدة أحمد بن حنبل صفية بنت ميمونة الشيباني ووالدة محمد الفاتح (فاتح القسطنطينية) هُما خاتون وغيرهما الكثيرات. كل مافي الأمر أن تثقي أن طفلك يستطيع وأن تغيري قناعاتك تجاه قدراته. فالله تعالى وهب الأطفال طاقات عجيبة مذهلة لا يُستهان بها، ولا تقيسي طاقاتهم بطاقاتك فهناك اختلاف بحُكم السن فالغض الطري ليس كمن يبُس عُوده.
ارفعي قدر طفلك، شاركيه أيامه، طوري قدراته، ادعمي نشاطاته، ثقي به، غيري قناعاتِك وقناعاتِه. اقنعيه بأساليب مختلفة. أهّليه للأمور العظيمة. ادفعيه ليشارك في المجتمع. علميه أن يبديَ رأيه في كل شيء حوله. استخدمي معه دائمًا عبارة (ما رأيك؟).
أنتِ بحره العميق والأفق الواسع والنور الذي يضيء له الطريق.