لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
“مشكلتك أنكِ عجولة” هكذا تمتمت أختي في صمتٍ بعد حوارٍ طويل إذ بحت لها بمشكلةٍ كان قد تآكل قلبي من وقعها وأبى علي إلا أن أتكلم بها، لكن أختي ظلّت صامتة ومنحتني فرصة للحديث ووهبتني أذنًا صاغية وأنا أتحدث بشكلٍ مندفع وأتحرك من هنا لهناك وفي كل مرة يحتدّ الأمر في حديثي أتوقف وأقترب من وجهها وأقول هل أنتِ مُدركة ما حصل؟ وكان ردة فعلها هي الصمت وعيناها جاحظتين تراقباني بكل هدوء، وبعد أن انتهيت انتظرت تعقيبها، لكنها رمتني به في حين غفلةٍ مني وقالت ” مشكلتك أنكِ عجولة ” جُننت وكدت أن أثور عليها وأُفرغ جلّ غضبي عليها لكن انسحبت بهدوء وغادرت الغرفة وآثرت أن أكتم غضبي.
بعدها بفترة في حين فراغ بنفسي بتّ أقلب كلمتها برأسي وأحلل الحدث ونظراتها وردة فعلها ولكن ما توصلت إليه هو أن كلامها حقيقي وعين العقل كما يُقال، لقد كانت مشكلتي هي أني أستبق الأحداث قبل أوانها وأطلب الأشياء قبل وقتها؛ لذلك كان ذلك سبباً في وصولها ناقصة بشكلٍ واضح، وربما فقدت الجزء الأكبر منها؛ لذلك وصلت بشكلٍ سريع، لكن كانت كصورة تفتقد أجزاء كثيرة ففقدت شكلها المُكتمِل.
كم مرة استبقنا الأحداث وحاولنا بشكلٍ جنوني واستبقنا الخُطى لاهثين حتى ندير عجلة الزمن ليمضي بأقصى سرعة لتأتي الأشياء المُنتظرة ولكن كانت النتيجة صادمة، فالأمر وقتها كلوحةٍ بديعة خُطفت منها ألوانها البرّاقة لتفقد رونقها وتبدو بشكلٍ باهت.
بعد كمٍّ هائل من الأحداث وتكبد المزيد والمزيد من الخسائر أدركت أن العجلة أمر مذموم، فهو يدفعك للعيش في دوامةٍ من اللهث والجري المُستمر خلف أشياء قد قُدّر لها أن تأتي في وقتٍ محدد وأنت تحاول ببشريتك القاصرة تقديم وقتها لتأتيك قبل اكتمال أوانها، فأنت بفعلك هذا كفراشة استبقت الوقت قبل أن تكتمل بداخل شرنقة النمو الخاصة بها فحاولت الخروج متباهية بقدرتها الضعيفة ولكن عُميّ عليها ضعفها، فجاهدت وخرجت متجاهلة كل تلك النصائح أن لا تستبق وقتها، متجاهلة كل شيء فهي لا ترى إلا نفسها، ونفسها من كانت توجهها.
وياللحسرة فمع أول محاولة للخروج سُرقت منها حياتها وكانت محاولتها سبباً في قتلها وكأنما الله يخبر من يتأمل في ذلك أن لكل شيء أوانه وكل شيء مكتوب وِفق وقتٍ معين في الكتاب العظيم، وعندما تحاول أن تستبق حدوثه فعليك أن تتحمل تبعات ذلك مهما كان خطورته فأنت من أوقعت نفسك في ذلك.
لقد كانت العجلة مذمومة في كل شيء، فقد حكى القرآن عن بني إسرائيل إذ قال الله على لسان موسى عليه السلام ” أعجلتم أمر ربكم” ليهبنا درسًا عميقًا ليدركه من فطن عقله ويتجاهله من قُدّر له العمى، موسى يعتب على قومه فعلهم ذلك، إلا أن العجلة كانت ولمرةٍ واحدة أمرًا محموداً قام به موسى إذ استبق الخطى إلى ربه قبل قومه وجاهد وبذل كل ما لديه ليقدم إلى ربه ويقول ”وعجلتُ إليك ربي لترضى” فالشوق إلى ربه دفعه الى أن يستحثّ الخطى في محاولة لنيل الرضى.
لكل شيء أوانه والأمور المُقدّرة تأتي ولو بعد حين حتى ولو انقطعت كل الأسباب في الأرض، كل ما عليك هو أن تثق بالله فهو وحده من يحدث المعجزة ويقلب الموازين ليأتي بأمنيتك على طبقٍ من ذهب، ليجعلها تأتي في الوقت الذي تظن أن الأمور لن تتغير وأن الفرج لن يأتي والظلمة لن تنبلج، وقتها الله يحدث ما لا تتوقعه ليحي كل ما مات فيك، لذلك لا تقطع الأمل وأحسن الظن بربك فالأشياء المُنتظرة ستأتي لكن في وقتها، فقط اجتهد لتكون مستحقاً لها ولا تفقد الأمل أبدًا.
كل هذا يربيّك ويهذّبك ويجعل منك شخصًا رائعًا كنت تطمح للوصول إليه، بل يعلّمك الصبر أيضًا ويجعل منك شخصًا مُقدرًا وممتنًا لله على كل شيء، فلو أن كل الأشياء التي استعجلنا قدومها أتت كما نرغب لكان الأمر في غاية السوء ولكن هي رحمة من الله ولكن لا نستشعر ذلك إلا بعد فوات الآوان.