لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لماذا أكّد الرسول صلى الله عليه وسلم على ضرورة ألا نغضب؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: (لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب) رواه البخاري. وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الشَّديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب).
للغضب آثارُه السلبية على سلوكيات الشخص. قد يتولد شعورٌ الاستحقاق والأهلية لدى الغاضب وهو من المشاعر الوهمية التي قد يستخدمها ليبرر ما يقوم به من أفعال لا أخلاقية، والغضب قد يخيف الآخرين فيجبروا على فعل مالا يريدون فعله خوفًا وليس رغبةً*. الخوف من الغاضب يحدث عند الكبار فما بالكم بالأطفال! لا يمكن لشخصٍ يغضب أن يربي بالطريقة الصحيحة لأن التربية تحتاج لحكمةٍ وتأنٍّ والغضب خلاف ذلك.
الفرق بين الطفلين
هناك فروق واضحة بين شخصية طفل يعيش في بيتٍ هادئٍ وديع، وآخر يمضي حياته في أجواء مشحونة بالغضب والصراخ. يلاحظ المربّون الفرق بين الطفلين عند التعامل معهما. فالأول يتمتع بالثقة بالنفس وإبداء الرأي بكل أريحية ولا يخاف أن يخالف أحدًا بالرأي ولديه وسائل إقناع. أما الثاني فيخاف أن ينظرَ في وجوه الآخرين توقعًا منه أن الجميع يغضب ويصرخ وأن لا بد أن تمتدَّ يدُ أحدِهم لتضربه كما يفعل والداه ولا يستطيع مخالفة آراء الآخرين لأنه تربى على الخضوع والخنوع فليس لديه القدرة على إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره.
إن الغضب عدو التربية. طالما غضبت الأم أو غضب الأب لا يمكن أن يوصلا فكرتهما كما يريدان، فالغضب يُخرج الشخص عن شعوره وهو مُرْبك للطفل فهو يَشعر أن جسمه النحيل الصغير أمام بركان لا يستطيع أن يفهم ما يحدث لأنه مشغول فكريًا في التركيز على ذلك الغاضب وما يفعله أثناء غضبه ويراوده شعور الخوف من أن تمتد يدُ الغاضب عليه. فمشاعره بين الخوف من الغاضب والرجاء ألا يضربه فيؤذيه جسديًا والارتباك من الصوت العالي. كيف لطفلٍ كهذا أن يتربى ويتأهل للمستقبل بالشكل الصحيح!؟
الموروثات الاجتماعية
دائمًا نسمع عبارة (لقد ربانا آباؤنا بالضرب فصرنا رجالاً). ليس الغضب وحده عدو للتربية إنما الموروثات الاجتماعية أيضًا. إنْ اعتَمَد الآباء قديمًا على الضرب كمنهج تربية، فهذه الطريقة لا تصلح في زمن انتشار الإنترنت ومواقع التواصل. فالصغير قبل الكبير يبحث في طيّات الشبكة العنكبوتية عن بيئة صداقة واحترام بعيدًا عن الواقع العصيب الذي يعيشه.
وإن كان ذلك الاحترام وهميًا إلا أن الطفل يجد نفسه هناك. فيهرب من ذلّ الحياة الحقيقية إلى الحياة الوهمية فيشعر فيها بالراحة ويتعلق بها. ماذا سيجني الوالدان الغاضبان عندما يفقدان طفلهما بهروبه إلى عالم جديد يوفر له الاحترام والرقي؟ إن لم يتم تدارك هذه المشكلة فسيعضان أصابعهما ندمًا على ابنيهما يومًا ما.
بيئة العالم الافتراضي
لننظر ماذا في البيئة الافتراضية التي لجأ إليها الكثير من الأطفال كبدائل تغنيهم عن العالم الواقعي الذي لا يحترمهم. ولْنبحث في عالم الإنترنت عن أسباب تعلق الأطفال به فقد نجد بذلك حلاً.
هناك نجد:
١. إثباتَ الذات، فالطفل يتكلم مع من أحب فيما يحب وفي أي وقت. يستطيع المشاركة وتوصيل ما يريد للآخرين والتحدث بلا قيود ولا حدود. بيئة مواقع التواصل تشجع مستخدميها على إثبات الذات. تستخدم دائمًا وسائل تحفيزية للتعبير عن النفس واتخاذ القرارات وإبداء الرأي.
٢. الاحترام، يجد الطفل من يحترمه هناك ويقدّره.
٣. أجواء هادئة، فليس هناك من يصرخ ولا يغضب. التفاعل بصمت.
٤. ألعاب متنوعة يقضي معها يومه فينسى واقعه. وغير ذلك الكثير من المُلهيات.
كل ذلك يجده الطفل في ذات الوقت الذي يصدُّه والداه بغضبِهما وصُراخِهما والتقليل من شأن طفليهما. فإذا وجد البديل كيف له أن يفكر في اتباع أوامر والديه بل إنه سيتمرد على طريقتهما السلبية في التعامل معه. على الوالدين بذل ما في وسعهما لتوفير ما يحتاجه الطفل نفسيًا قبل حاجاته الجسدية. وعليهما المسارعة في توفير بيئة بيتية تغنيه عن العالم الافتراضي وتقارب بين أفراد العائلة وتجعل الحياة الاجتماعية الحقيقية ممتعة وغنية، وهذا يتطلب علاج للغضب قبل كل شيء.
كيف يعالج الوالدان الغضب
إن كان الوالدان حريصين على تربيةِ أبنائهما التربية الصحيحة فيجب علاجُ الغضب أولاً. نفوسُنا البشرية قد تغضب أحيانًا ولكن لا بد من إيجاد علاجٍ للغضب وتدريب النفس على الهدوء والسكينة. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة. ما وجدتُ أفضل من طريقة نبينا الكريم في العلاج. إن لم تهذبنا وتنمِّينا أحاديثُ الرسول صلى الله عليه وسلم فما الذي سيهذبنا.
١. الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم. قال صلى الله عليه وسلم : (إذا غضب الرجل فقال أعوذ بالله ، سكن غضبه) صحيح الجامع الصغير.
٢. السكوت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت). صحيح الجامع.
٣. ذكر الله تعالى المستمر لحظة الغضب. قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
٤. الدعاء للنفس بالتخلص من الغضب والاستعانة بالله على ذلك.
٥. وهذا نوع آخر من أنواع العلاج وهو أن ينظر الغاضب لنفسه في المرآة أثناء الغضب. فسيرى شخصًا آخرًا ويأنف من نفسِه ويشمئز من هيئته. فقد تغيّر لونه وانقلبت سحنته واحمرت أوداجه وجحظت عيناه، لا أظن أبدًا أنه سيرضى بوجود ذلك الشخص بداخله! رؤيته لنفسه في تلك الحالة ستشجعه على علاج الغضب والتخلص منه بل والنفور أيضًا.
٦. وأنا أعتبر هذه النقطة مهمة جدًا وهي أن يضع الأب أو الأم نفسيهما مكان طفلهما ليفهما ويدركا شعوره أثناء الغضب. فلا أعتقد أبدًا أنهما سيتقبلان الغضب ويستسيغانه.
ليس عيبًا أن نربيَ أنفسنا قبل تربية أبنائنا، بل إنه أمر مُلح وضروري فالأعمى لا يقود بصيرًا. لا بد من تهذيب النفس من أجل أن تصبحَ قادرةً على بناء جيلٍ قويٍ صامد. إن النفس البشرية تخطئ وتصيب والاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى لعلاج أمراض النفس. أبناؤنا أولى الناس باهتمامنا وسعادتهم سعادتنا وهم مرآتنا في هذه الحياة.