لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
قد يجادل البعض بأنه لا يتعين علينا تقبّل أو التسامح مع اختلافات الآخرين. وهو ما يضعنا أمام السؤال التالي: هل يمكن التحكم بكل من حولنا وقولبتهم كما نشاء؟
ودون شك، ستكون الإجابة: لا! من المستحيل توحيد الجميع. وسواء كنا نتحدث عن الدين أو الشخصية أو حتى الأكلات المفضلة، فسيبقى الناس مختلفين دائمًا. والأرجح أن عدم تقبّل هذه الاختلافات سيجعل حياتك مريرة. في حين أن تقبّلهم -كما هم- سيمنحك رؤى جديدة ويجعل حياتك أكثر بساطة.
في هذه التدوينة، سنلقي نظرة على الاختلافات الفردية وكيفية قبولها.
التناقض بين الفردية والتقبّل
نجد الشعارات التي تحتفل بالفردية والاختلافات موجودة في كل مكان، بدءً من مقولة آلان ألكسندر ميلن : “الأمور التي تجعلني مختلفًا هي ما يصنعني” وصولًا إلى النصيحة العامة “كنّ نفسك!” وفي حين يبذل الكثيرون قصارى جهدهم ليندمجوا مع المجتمع، نجدهم -في الوقت ذاته- يسارعون إلى تسليط الضوء على الأشياء التي تجعلهم فريدين ومميزين (حتى وإن لم يكونوا كذلك بالفعل).
وسواء أكنّا نميل للعزلة أو للانفتاح على الآخرين، غالبًا ما نحب أن نعتقد أنها صفة مميزة فينا. لكن يمكن لذات الخصائص التي نقدّرها في ذواتنا أن تكون ما نستهجنه أو نسخر منه أو نحكم عليه في الآخرين: فإذا لفّ أحدهم نفسه برداء الغموض، حكمنا عليه بأنه “متصنع”. وإن كان صريحًا، وصفناه “بقلّة التهذيب”!
في حين أن التفرّد غالبًا ما يُقدّر ، فلا يزال البشر كائنات اجتماعية تحب أن تشعر بالارتباط والاحتواء. وواحدة من أسهل الطرق للشعور بالقرب من شخص ما هي خلق عدو مشترك.
لا يجعلنا الحكم سلبًا على صفة في شخصٍ ما -مع اعتقادنا بأنها ما يميزنا- منافقين. لكن بالطبع، هذا ليس أمرًا لطيفًا (وسيكون لمن حولك الحق في وصفك بالشخص الازدواجي). لكن في النهاية، الامر لا يعدو أن يكون مجرد نوع آخر من التحيّز الذاتي، وهو ما يصفه بعض علماء النفس بأنه أي انحياز معرفي “Cognitive bias” يحافظ ويعزز احترامنا لذواتنا. عن طريق اعتبار الشيء “جيد” فينا ولكن “سيء” في الآخرين.
لماذا يصعب قبول الاختلافات؟
إن كنّا نُقدّر التفرد، فلِما إذًا يصعب علينا تقبّل فكرة أن البشر مختلفون؟ علمًا بأن التفكير بأننا دائمًا على حق وأن الآخرين مخطئون بهدف الحفاظ على احترامنا لذاتنا هو أحد ظواهره فحسب. السبب الآخر -الذي يدفعنا لرفض اختلافات الآخرين- له علاقة بحاجتنا إلى التحكم في حياتنا. وكما كتب العالم النفساني لورين لوتي وفريقه في ورقتهم البحثية عن السيطرة: “… إن مفهوم السيطرة ليس مطلوبًا فحسب، بل إنه على الأرجح ضرورة نفسية وبيولوجية.”
البشر، وخاصة أولئك الذين يختلفون عنا، متقلبون ويصعب السيطرة عليهم. ولذا، فحاجتنا للسيطرة على محيطنا -والذي يضم أشخاصًا آخرين- قد تجعل من الصعب علينا قبول الأشخاص الذين لا يتصرفون بالطريقة التي نريدها. بالطبع، تحيزاتنا تلعب أيضًا دورًا مهمًا. يحب الكثير من الناس الاعتقاد بأنهم بعيدون عن التحيزات أو أنها مبررة. ولكن حتى عندما تستند تحيزاتنا إلى بعض التجارب الشخصية، فهي ليست صحيحة بالضرورة وتمنعنا من تقبّل الآخرين.
على سبيل المثال، قد أظن أن جميع الشقراوات غبيّات ولا يهتمين سوى بالأزياء والمظاهر فقط لأن كل الشقراوات اللواتي قابلتهنّ كُنّ كذلك. فإذا قابلت فتاة شقراء لا تزال مهتمة بالأزياء والجمال ولكنها أيضًا متفوقة أكاديميًا، فسأجد صعوبة في تقبّلها بسبب أحكامي المسبقة. في كثير من الأحيان، لا تعتمد أحكامنا المسبقة على تجارب شخصية إنما تُنقل إلينا من قِبل عائلتنا أو مجتمعنا.
في الحقيقة، فما الانحيازات والقوالب النمطية إلا (تصنيفات عقلية). كما كتب عالم النفس جوردون أولبورت في كتابه “طبيعة التحيز – he Nature of Prejudice“: “لا يمكن للعقل البشري أن يفكر بمنأى عن التصنيفات… بمجرد تشكلها، تصبح التصنيفات أساسًا للأحكام المُسبقة. ولا يمكننا تجنب هذه العملية”.
هذا ما يجعل التخلص من الانحياز وقبول الاختلاف أمرًا بالغ الصعوبة. غالبًا ما تكون تلك التصنيفات والأنماط متأصلة في تفكيرنا، بحيث يتطلب الأمر الكثير من الجهد الواعي لتغييرها، حتى عندما نمرّ بتجارب تتعارض مع تحيزاتنا.
لماذا يجب أن تتقبل اختلافات الآخرين؟
إذا كانت الأحكام المسبقة أمرًا طبيعيًا، فلِما علينا إذًا أن نغيّر من طريقتنا في قبول اختلافات الناس؟ هناك العديد من الأسباب، ولكن أهمّها يتلخص في حقيقة بسيطة. يزداد تنوع الثقافات وتعددها في مجتمعاتنا. ودائمًا ما تُلقي مهمة التكيّف مع البيئة المحيطة المتغيرة على عاتق الفرد لا العكس. ويمكن لتحمل عبء الأفكار المسبقة ومحاولة دفع من حولك للانصياع لرغباتك أن يكون مرهقًا ومحبطًا، بينما يمكن لتعلم قبول الاختلافات أن يوسع آفاقك ويجلب لك أصدقاء جدد.
في العمل، أصطدم أحيانًا مع زملائي: ففي حين أميل لاتباع نهج أكثر ليونة وأكثر تساهلاً في كلٍ من الإرشاد والتدريس، يميل بعض المعلمين لأن يكونوا صارمين وعنيدين. وفي الوقت الذي أعتمد فيه على مقاطع الفيديو والنماذج ثلاثية الأبعاد لشرح المفاهيم النفسية ، يؤمن بعض زملائي بضرورة استخدام الأقلام والأوراق وتدوين الملاحظات الطويلة.
ولا بأس في ذلك، لأن أياً منا ليس على صواب/خطأ. فإن كان بعض الطلاب يفضلون أسلوبي، يجد آخرون أن القواعد الصارمة تفيدهم أكثر. ووجود طاقم تدريسي متنوع يعني أنه يمكن لكل طالب العثور على شخص يتوافق معه. إن عالمنا دائم التطور ويمكن لأنماطنا العقلية ـبل ويجب-ـ أن تتطور معه.
كيف تبدأ بقبول الآخرين على ما همّ عليه
والآن، كيف يمكنك تقبّل حقيقة أن زميلك في الغرفة يحب موسيقى الروك بينما تستمتع أنت بموسيقى الراب (بالإضافة للاختلافات الفردية الأخرى)؟
دونك 5 خمس نصائح بسيطة لممارسة التسامح والتقبّل:
راجع أحكامك المسبقة
في حين أن فهمك لها لن يمحوها على الفور، فإن إدراك أين تكمن تحيزاتك هو الخطوة الأولى لمواجهتها. تذكر، على الرغم من أن الأفكار المسبقة سلبية دائمًا، فإن الصور النمطية يمكن أن تكون إيجابية وسلبية. ولكن حتى الصور النمطية الإيجابية يمكن أن تكون ضارة. على سبيل المثال، قد يبدو الاعتقاد بأن جميع الآسيويين أذكياء أو أن جميع النساء حنونات كمديح، لكنه يمحو الفروق الفردية داخل تلك المجموعات. لذلك عندما تجد نفسك تحكم على شخص ما، فكر في سبب حكمك عليه.
ركز على الشخص وليس على الوصف
على الرغم من أن السمات التوصيفية مفيدة لوصف الأشخاص، إلا أنها عاجزة عن تقديم الصورة كاملة. الاشخاص أكثر/أكبر من مجموع أجزائهم: على سبيل المثال، يمكن لفتاة مراهقة أن تحب مسلسل (Euphoria) والتيك توك “TikTok”، لكن هذا بالتأكيد لا يُلخص شخصيتها. لذا حاول أن تتغاضى عن الأوصاف وتركز على الشخص ذاته.
تخل عن (الحاجة) للسيطرة
الشخص الوحيد الذي يمكنك تغييره والسيطرة عليه هو نفسك. تذكر ذلك في المرة القادمة عندما تشعر بالإحباط بسبب سلوك أو آراء شخص ما. هذا لا يعني أن عليك تقبل جميع السلوكيات، خاصةً عندما تسبب لك عدم الراحة. يُنصح دائمًا بالتنبيه -بأدب- إلى السلوك غير المقبول، لكن قبلها، أمعن النظر للحظة في سبب رؤيتك للسلوك على أنه (غير مقبول).
ضع نفسك مكان الآخر
في كثير من الأحيان، تأتي عدم قدرتنا على قبول اختلافات شخص ما من عدم قدرتنا على فهمها. ولكن ماذا لو حاولت وضع نفسك في مكان شخص آخر وفهم ما الذي يدفعه للتصرف على هذا النحو؟ أغلب الظن أنك إن تعاطفت مع الآخرين، فسيسُهل عليك تقبّلهم.
لا تنتقد أمرًا قبل أن تختبره
منذ فترة، حاول أحد الأصدقاء إقناعي بمرافقته إلى صالة الألعاب الرياضية لمحاولة رفع الأثقال. عارضت بحجّة أن “رفع الأثقال ليس من اختصاصي”. كما أنني لم أفهم ما الفائدة التي يراها في رفع الأثقال ووضعها مجددًا عدة مرات متتالية.
في النهاية، خضعت للأمر وذهبت معه. لم تكن انطلاقتي ناجحة، لكن بعد بضع مرات، تمكنت أخيرًا من رؤية جاذبية الأمر. جرب هوايات الآخرين لفهم سبب إعجابهم بها. أو على الأقل ، لا تنتقدها حتى تجربها.
في الختام
غالبًا ما نُقدّر التفرد، ولكن في الوقت نفسه، نجد صعوبة في قبول اختلاف الأشخاص. من الطبيعي أن نكون حذرين من الاختلافات، لكن هذا لا يعني أننا يجب ألا نحاول مواجهة تحيزاتنا، خاصة في عالم اليوم المتكامل. يستغرق الأمر بعض الجهد، ولكن مع بعض النصائح البسيطة، يمكنك أن تتعلم كيف تكون أكثر قبولًا للاختلافات.
====
إن أعجبتك هذه التدوينة، فربما ستعجبك هذه أيضًا، كما ويمكنك دعمي لكتابة المزيد من هذه التدوينات عن طريق دعوتي لفنجان قهوة.