لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم بسبب فيروس كورونا، توجد فئة من الناس لم تتأثر كثيرًا من الناحية المهنية والحياتية بالتغير الذي فرضه هذا الطارئ على دورة الحياة. وأخص هنا بالذكر المترجم المستقل، ولو أن الأمر ينطبق أيضا على كل من يعمل مستقلا ويتخذ منزله مقرا لعمله. ولكنني لاحظت في هذه الفترة تداول الكثير من الفيديوهات والمقالات عن الأنشطة التي يمكن القيام بها في البيت خلال فترة الحجر الصحي، وكأن البقاء في المنزل قيد وعقوبة تعيق الحياة اليومية. ونظرا لأن عملي يتم بشكل اعتيادي من المنزل منذ مدة، استغربت في البداية النصائح الواردة فيها. وقد ذكرني هذا الأمر بهذا السؤال الذي تكرر على مسامعي كثيرا: “ألا تملين البقاء في المنزل لفترات طويلة؟”
ولهذا ارتأيت أن أكتب في هذا المقال عما أقوم به انطلاقا من نظام عملي من المنزل لأعطي فكرة عن الأنشطة التي يقوم بها المترجم المستقل عادةً ويُنصح بها استثناءً كل من يقضي حاليا أيامه في المنزل بسبب حظر التجول. وقد أحدث توفير شبكة الإنترنت ووجود زبائن يفضلون العمل مع مستقلين شريحةً واسعة من العاملين المستقلين. ولكن هذه الظروف الاستثنائية قد تكون فرصة للمستقلين من أجل التفكير في إدخال بعض التعديلات على عملهم تحسبا لأي طارئ في المستقبل.
أنشطتي اليومية في عملي من المنزل
لا شك أن الأشخاص الذين اعتادوا على الحياة الخارجية ويعودون إلى المنزل من أجل الأكل والنوم والراحة سيجدون المكوث في المنزل مدة طويلة أمرا صعبا. فبصفتي مترجمة مستقلة، لم يتغير شيء في نمط حياتي عندما اجتاح وباء كورونا بلادنا، باستثناء طبعا البحث الدائم عن جديد الإصابات وحالات الشفاء، وقراءة مصادر عن طرق الوقاية والسعي لتطبيقها قدر المستطاع. وبما أنني أعمل في المنزل، فإنني أعتمد بشكل كامل على الإنترنت والحاسوب. وبالتالي لا يكون تعاملي مع العالم الخارجي إلا في حالات محدودة.
ويُعد تنظيم الوقت أهم طرق الاستفادة من العمل من المنزل. ولا يعتبر المكوث في المنزل طوال اليوم سببا للاستيقاظ في وقت متأخر وعدم تنظيم ساعات النوم. ويسمح لي الاستيقاظ في الصباح الباكر بإنهاء الأعمال المنزلية اليومية كالطبخ مبكرا قبل أن أبدأ العمل. وتُحدَّد مهام اليوم خلال الليلة السابقة لتفادي التشتيت وإضاعة الوقت في أعمال ثانوية، إلا عند استلام عمل جديد في اليوم نفسه. وبعد إغلاق جميع وسائط التواصل الاجتماعي الذي يساعد على التركيز في العمل، أبدأ القيام بعملي من ترجمة أو غيرها.
ويتيح أيضا قضاء الحاجيات عن بعد ربح وقت قد يُستغل في فعل شيء إضافي. ولذلك يُحدد وقت معين خلال اليوم أو الأسبوع للقيام بالمهام الأخرى الخارجة عن العمل مثل دفع الفواتير، وهو ما أُفضّل القيام به عبر الإنترنت في الحالات الممكنة تفاديا للطابور الذي يستنزف الوقت. وحتى التبضع، فإن شراء المستلزمات مرة في الشهر يوفر الوقت والجهد، باستثناء ما تستجد الحاجة إليه من حين لآخر. وفي حال وجود خدمة إيصال البضائع إلى المنزل في مدينتك، فإنني أعتبرها وضعا مثاليا لأنه سيسمح باقتناء الحاجيات الضرورية فقط.
وتسمح المرونة التي يمنحها العمل عن بعد بإمكانية تغيير الأنشطة الممارسة وأوقات العمل من حين لآخر. وإضافةً إلى العمل عن بعد، تشمل أنشطتي في حال عدم وجود عملٍ تعلمَ مهارة جديدة عبر منصات التعلم المتوافرة على شبكة الإنترنت مثل إدكس وكورسيرا وغيرهما نظرا إلى أن هذا الأمر يساعد المستقل في توسيع خدماته وزيادة مدخوله. وفضلا عن ذلك، أقرأ بعض الجرائد الإلكترونية والمواقع الإخبارية للاطلاع على المستجدات حول العالم، وأشاهد بعض البرامج الوثائقية أو الأفلام للترويح عن النفس، وأبحث عن فرص عمل إضافية من خلال التواصل مع شركات جديدة. ولا يجب أن ننسى ضرورة ممارسة الرياضة، وهو ما يمكن القيام به من المنزل من خلال تتبع قنوات بعض المدربين الرياضيين على اليوتيوب ومحاكاة حركاتهم الرياضية.
ما التغيير الذي حملته حالة الطوارئ بالنسبة لي بسبب كورونا؟
بعيدا عن العمل الذي لم يتأثر بسبب هذه الظروف، فما تغير بالنسبة لي هو عدم زيارة الأهل بسبب حظر السفر والتجول وتعويض ذلك بالاتصالات الهاتفية، وممارسة بعض التمارين الرياضية في المنزل بعدما كنت أمارس المشي في الهواء الطلق. ولا يمكنني أن أنسى العامل النفسي الذي يجعل الإنسان متوجسا تارة ومفرطا تارة أخرى في الاحتياط من كل ما هو قادم من خارج المنزل. ولا يمكنني أن أغفل أيضا خلو الشارع من الناس مما يجعل المدينة تبدو شبه مهجورة.
كيف تؤثر هذه الظرفية في عمل المترجم المستقل مستقبلا؟
تظهر دون شك إيجابيات العمل المستقل في مثل هذه الظروف الاستثنائية، إلا أنها فرصة ليعيد المستقل النظر في أمور قد تؤثر عليه مستقبلا لسبب أو لآخر؛ فمن كان يتخيل في الماضي أن يمر العالم بمثل هذه الأزمة بغض النظر عن التخطيط والرؤية المستقبلية التي تعتمدها الكثير من الشركات والجهات؟ فقد سمعت من بعض المستقلين نصيحة ترددت كثيرا عن عدم الاعتماد بشكل كلي على الزبائن في العالم الافتراضي وبناء علاقة مهنية مع زبائن آخرين في العالم الواقعي تحسبًا لكي لا تضع بيضك في سلة واحدة. فمجرد حدوث مشكلة تقنية على مستوى الإنترنت، ستفقد في لحظة واحدة مورد رزقك إن كان الوحيد. ولذلك فإن هذه الظرفية قد تسلط الضوء على ضرورة تنويع مصادر دخلك من الإنترنت وخارجها تحسبا لأي طارئ أو تغيير محتمل.
إليك المزيد
كيف تقضي أوقاتًا سعيدة أثناء الحجر الصحي؟ [تجربتي الشخصية]
مشاكل المستقلين : ٢٠ مشكلة قد تواجهك في العمل المستقل