لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
الاهتمام بالترجمة قديم قدم الحضارة الإنسانية نفسها، فهناك مجموعة كبيرة من الأدب حول هذا الموضوع يرجع تاريخه إلى شيشرون في القرن الأول قبل الميلاد لكن بدأ الاهتمام بالدراسات الأكاديمية للترجمة منذ بضعة عقود فقط، فقد بدأ الباحثون في النصف الثاني من القرن العشرين في مناقشة الحاجة إلى إجراء بحث منهجي في الترجمة وتطوير نظريات متماسكة للترجمة.
دراسات الترجمة لا تتناول اللغات فحسب بل تتناول مجموعة واسعة من المجالات الأكاديمية الأخرى، بما في ذلك اللغويات والنظريات الأدبية ونظريات الاتصال والتاريخ والأنثروبولوجيا وعلم النفس والفلسفة والدراسات الثقافية. إن دراسة نظريات الترجمة وآراء علماء اللغة مهمة جدًا للمترجم أهمية لا تقل عن دراسة اللغة ذاتها، لأنها تسهم في حل الكثير من المشكلات التي تقابل المترجم، قد يقع المترجم في حيرة عندما يترجم نصًا ما، هل أترجم ترجمة حرفية أم ترجمة حرة؟ وهل هذه الثنائية موجودة أصلا؟
هذا السؤال يتبادر إلى ذهن الكثير من المترجمين، البعض يفضل الترجمة الحرفية لأنها أكثر التزامًا بالنص الأصلي والبعض الآخر يفضّل الترجمة الحرة لأنها تسمح له بالتعبير بحرية عن الفكرة المراد ترجمتها، وهذا السؤال اهتم به علماء الترجمة وهنا أعرض ما تناوله العالم اللغوي نيومارك عن الترجمة الدلالية والترجمة التواصلية.
لكن أولاً سوف تتعرف على مفهوم رئيسي في نظرية الترجمة يساعدك على فهم بعض تحديات الترجمة. المفهوم الرئيسي في نظرية الترجمة التي سنركز عليها هو مفهوم التكافؤ. عندما تترجم نصًا إلى لغةٍ أخرى، هل يمكنك القول إن الاثنين متكافئين؟ أو أقولها بطريقةٍ أخرى، عندما تترجم نصًا، هل تقوم ببساطة باستبدال الكلمة في اللغة المصدر بالكلمة “المكافئة” في اللغة المستهدفة؟
لقد حيّر هذا السؤال علماء اللغة أيضًا؛ فعرض بعضهم عدة طرق لفهم فكرة التكافؤ، بينما شكّك البعض الآخر في فكرة التكافؤ ذاتها، بحجة أن حصر التفكير في موضوع التكافؤ يقلل من قيمة الترجمة ويحولها إلى مجرد تمرين لغوي قائم على استبدال الكلمات بلغةٍ ما بمعادلها في لغة أخرى بدلاً من مراعاة السياق الثقافي الذي تتم فيه الترجمة ونوع النص والغرض منه، ومراعاة احتياجات قرّاء النص المترجم، والعديد من الأمور الأخرى.
السؤال هنا هل يجب أن تكون الترجمة قريبة قدر الإمكان من لغة النص المصدر أم ينبغي أن تتحرر من قيود الترجمة الحرفية لتكون أسهل في الفهم ومستساغة بالنسبة للقارئ؟ هل الأفضل أن نترجم ترجمة حرفية بصرف النظر إن كانت مفهومة أم لا؟
قدّم عالم الترجمة بيتر نيو مارك حلًا لهذه المشكلة بالتوصّل إلى نهجين مختلفين للترجمة ألا وهما الترجمة الدلالية والترجمة التواصلية، وأوضح أن الترجمة الدلالية يكون ولاءها الأصلي للنص المصدر بما فيه من تركيبات نحوية وتلتزم بالمعنى السياقي الدقيق للنص الأصل وثقافته الأصلية.
متى استخدم الترجمة الدلالية؟
الترجمة الدلالية يتم استخدامها في حالة أننا لا نريد التغيير في النص المصدر وذلك عندما يكون الكلام أو النص الذي كتبه الكاتب مهم جدًا مثل، على سبيل المثال المجالات الفلسفية أو الدينية أو السياسية أو العلمية أو التقنية أو الأدبية والنصوص الموثقة.
على العكس من ذلك تكون الترجمة التواصلية التى تسعى إلى إحداث نفس الأثر الموجود في النص المصدر إلى النص الهدف لذلك تتحيز الترجمة التواصلية إلى النص المترجم وتحاول أن تزيل اللبس او الغموض من النص وتنقله بشكل مفهوم يناسب ثقافة القارئ، وبهذا تكون أكثر سلاسة وابسط وأوضح من الترجمة الدلالية.
متى استخدم الترجمة التواصلية؟
الترجمة التواصلية تستخدم في حالة معظم الكتابات غير الأدبية، والصحافة، والمقالات والكتب، والكتب المدرسية، والتقارير، والكتابة العلمية والتكنولوجية، والمراسلات غير الشخصية، والدعاية، والشعارات العامة، والخيال الشعبي. إذن الترجمة الدلالية تهتم بالكلمة أما الترجمة التواصلية تهتم بالجملة.
أكّد نيومارك Newmark أنه في بعض الأحيان تكون الترجمة التواصلية أفضل من الترجمة الدلالية، حيث أن الترجمة الدلالية لا تسمح بإجراء تصحيحاتٍ أو تحسيناتٍ للنص المصدر، وبالتالي فإن الترجمة التواصلية قد تكون أفضل في بعض الأحيان لأن المترجم يكون قادر على تصحيح المنطق وتوضيح الغموض في النص، واستبدال التراكيب اللغوية الركيكة بالتراكيب الأنيقة والمنمقة، وإزالة الغموض، والقضاء على التكرار، وإعادة كتابة النص إذا كان مكتوب بشكلٍ سيئ.
وأوضح نيومارك أن الغالبية العظمى من النصوص تتطلب ترجمة تواصلية وليس ترجمةً دلالية. اقترح أن يتم اعتماد النهج التواصلي لمعظم الكتابات غير الأدبية، والكتب المدرسية، والكتابة الفنية، والخيال الشعبي، والدعاية، في حين أن النهج الدلالي يتم اعتماده للنصوص الهامة المحتوى التي ينبغي ألا يحدث فيها أي تغييرٍ أو تدخلٍ من المترجم.
لعلك لاحظت الآن كون الترجمة لا تتعلق فقط بترجمة كلمة واستبدالها بأخرى، بل أن هناك قضايا أخرى يجب أخذها في الاعتبار، وأن نظريات الترجمة توفر الإستراتيجيات لتمكيننا من التفكير في حل بعض المشكلات التي تصادفنا عندما نترجم.