Loading Offers..
100 100 100

داليدا.. سيلفيا.. هل قتلهما النقد؟

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

في عام 1986 عرض يوسف شاهين فيلمه “اليوم السادس” والذي اختار لبطولته داليدا المغنية المتألقة التي تغني بأكثر من لغة منها الفرنسية والايطالية والعربية وقد أشعلت مسارح العالم تصفيقا ورقصا وقبلات وورود لهذا الصوت المفعم بالمشاعر ويلامس القلب، رأى شاهين داليدا بشكل مختلف في هذا الدور فجعلها تقوم بدور الفلاحة “صديقة” التي تحاول إنقاذ ابنها الصغير من وباء الكوليرا.

يحاول شاهين كعادته وضح أحجار اللعبة بطريقة مخالفة للمعتاد يبحث في غير المألوف ويسعد بتحقيق اللاممكن، داليدا الرقيقة الناعمة غربية اللكنة ستقوم بدور فلاحة مصرية، ربما كان اختيارها للدور مناسبا لأنه دور لشابة جميلة لديها طفل صغير تحب شابا “عوكا” الذي يجسده محسن محي الدين، إلا أنها بعد عرض الفيلم لم تحب شكلها الظاهر على الشاشة، لم تكن تلك الفتاة الجميلة الفاتنة بابتسامتها الساحرة على المسرح وهي تغني، بل وجدت وجها لامرأة عجوز عمرها أكبر بكثير من عمر الشاب الصغير الذي يحبها في الفيلم.

ورغم أن الفيلم لقي قبولا وتفاعل معه الناس إلا أن التفاعل جاء يحمل المرارة إلى نفس داليدا التي شهدت سخرية الجمهور من لهجتها التي حملت مزيجا غريبا بين اللكنة الغربية واللهجة المصرية، ويؤكد على ذلك الكاتب محمود عبد الشكور في كتابه كنت شابا في الثمانينات حيث قال ” ظللت مرتبطا بسينما “كريم” بالنظر إلى مشاهدة فيلم اليوم السادس فيها ولأنني شاهدت فيها في الليلة نفسها فتاة حسناء تشبه لحد كبير الأميرة ديانا وكانت مثالا وقتها للجمال الأوروبي وحضر الفيلم عدد كبير من الأجانب الذين كانوا يتابعون الترجمة الفرنسية على الشاشة وكانوا يلتفتون في دهشة كلما ضحكنا على لهجة داليدا، أعتقد أنهم استمتعوا بالفيلم أكثر منا لأنهم لا يعرفون اللغة العربية ولا يستطيعون فهم المسافة بين الدارجة المصرية وبين لهجة داليدا الخواجاتي”.

لم يتوقف الأمر عند دهشة داليدا وضحكات جمهور السينما بل كتب العديد من النقاد في الصحف والمجلات مستاؤون من أداء داليدا، واتهموها بالفشل، كانت أقلامهم حادة وكلماتهم جارحة ورغم أن داليدا قاومت كثيرا بالغناء وعادت لتعتلي المسرح وتشدو بأغنياتها حتى في حفلتها الأخيرة ظهرت بحيويتها متألقة كعادتها، إلا أن اكتئابها غلبها، تكالبت عليها الظروف وأحكمت قبضتها عليها حتى استسلمت تماما، لم يفلح الغناء في مداواة جرح فيلم اليوم السادس، ولم تستطع تجاوز الكثير من الصدمات كانتحار الرجل الذي أحبته، لذا فقد أنهت حياتها في مايو 1987 بعد شهور من عرض الفيلم تاركة رسالة “سامحوني.. الحياة لم تعد تحتمل”

هذا العالم القاسي اللاذع لا يمكن أن تتحمله رقة وشاعرية إنسانة كداليدا.

ضحية أخرى للنقد

سيلفيا بلاث..شاعرة تحاول بالكتابة مقاومة اكتئاب مزمن منذ وفاة والدها، ولها سابقة مع محاولة الانتحار، ورغم تزوجها من الشخص الذي تحب وهو الشاعر الإنجليزي تيد هيوز وانجابها طفلين رائعين وحياتها معهم التي وصفتها بالجنة، إلا أن نوبات الاكتئاب لم تتركها إلا أنها ظلت تقاوم بالكتابة، في صباح كل يوم تكتب في دفترها أول أهدافها كتابة رواية تفوز بجائزة.

توتر علاقتها بأمها كان يرهقها أكثر كذلك كان يزيد من ألمها النفسي عدم تقبل أصدقاء وأقارب زوجها لها. ثم اكتشفت خيانة “تيد” لها، تركها وترك أبناءه،وتزوج بامرأة أخرى تكبره وتعامله باهتمام أم كما يصف وكان يفتقد هذا في “سيلفيا”، شعرت بالهزيمة مرة أخرى، ورغم أنها نجحت في كتابة الكثير من القصائد الشعرية وحازت بها جوائز عديدة إلا أن حلم الرواية بقي يلمع في السماء كنجمة بعيدة تتمنى أن تمسك بها.

بدأت في كتابة روايتها في أصعب أوقات حياتها، في بيت شديد البرودة مريضة بالزكام هي وأبناءها تحاول رعايتهم وحدها وتوفير المال والوقت لتتمكن من الكتابة وبعد كل هذه المعاناة وخروج رواياتها إلى النور لم تلق الانتشار المطلوب الذي حلمت به حتى من كتب عنها تحدث عن بناءها المهتريء وأنها لا يمكن قبولها كرواية والكثير من النقد اللاذع وبالتالي لم تحصل سيلفيا على التقدير الذي انتظرته لأعوام فأنهيت حياتها بحشر رأسها داخل فرن الغاز بعد أن فتحت محابسه وبعد أن وضعت الطعام لصغارها وأغلقت باب حجرتهم وسدت الثغرات أسفله بالأقمشة لتحميهم من الموت، والغريب أن بعد وفاتها انتشرت روايتها وكأنها طبعت للمرة الأولى، وحصلت على الجائزة التي تمنتها ولكن بعد الموت، والأغرب أن النقاد وجدوا كلاما رائعا يصفون به الرواية بعد رثاء سيلفيا.

اليوم وقد أصبحت الوسائل أسرع للنقد وأسرع في الوصول لصاحب العمل أصبح الأمر برغم جماله يحمل الكثير من الأذى، فمثلما تتلقى المدح السريع كذلك تتلقى السباب والاتهام بالفشل، لذا فعلى الناقد أن يكون حذرا في اختيار كلماته وأن يكون هدفه هو تطوير صاحب العمل للأفضل وليس هزيمته وانكساره. 

[إضافة المحرر: كما يجب على المبدع أن يكون أكثر صبرًا وأقوى ثقة لتحمل النقد، فإن كان النقد يقتل الموهبة وحدها فلا داعي أن يقتل المبدع موهبته ونفسه أيضا بالإقدام على الانتحار فيخسر الدنيا والآخرة]

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..