Loading Offers..
100 100 100

كيف تلخص كتابًا دون الإخلال بالمضمون؟

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

ماذا لو طُلب منك أن تلخص كتابًا كبيرًا في عشر صفحات؟ هل كنت تقبل بهذا التحدي؟ أغلب الظن أن الكثير من الكُتّاب يحجم عن هذا الطلب، لإدراكه لصعوبة الأمر. ولكن متى كانت الصعوبة عائقًا دون المحاولة والاجتهاد؟سنحاول في هذا المقال أن نبسط رؤيتنا النقدية في هذه المسألة، دون أن تكون ملزمة لغيرنا، إذ البحث في العلوم الإنسانية يختلف عن العلوم التجريبية، حيث الغلبة للقوانين العلمية، وحيث يضيق المجال أمام مناورة النقاد.وأصل هذه المسألة أن المؤلفين القُدامى عرفوا الشروح والمختصرات والحواشي، وكانوا يهدفون من ورائها إلى زيادة في إيضاح النص، أو تبسيطه على قارئ غير مختص.ومن أمثلة هذه الاختصارات كتاب "مختصر منهاج القاصدين" للإمام ابن قدامة المقدسي ،الذي هذّب فيه  كتاب "منهاج القاصدين" للحافظ ابن الجوزي -رحمه الله- والذي اختصر هو الآخر كتاب الإحياء للإمام الغزالي. غير أن تطور أساليب الكتابة فرض  على الكُتّاب أنماطًا أخرى من الاختصارات، فعرفنا القراءة كدلالة على التلخيص، وكذلك التقديم وما شابه هذه المصطلحات.

خطوات القراءة

هذه مسألة لا تتأتى عادة إلا لمن له مَلَكة نقدية، تساعده على تصور الأشياء ثم التعبير عنها بلغة موازية تقوم على التوليد. ولعل هذا ما جعل النقد مبحثًا أصيلًا في مباحث الفلسفة. وخلال هذه القراءة يقوم القارئ/الناقد برصد حركات النص، متوقفًا عند علامات محددة هي بمثابة معالم الطريق. ويلزم له أن يستعين بدفتر صغير يسجل فيه كل الملاحظات، التي سيعود إليها لاحقًا، ليرتب عليها بعض الأحكام.ولا حرج عليه في إهمال بعض الأشياء الثانوية، وإنما عليه أن يركز على النقاط المضيئة التي تكون مرتكزات النص.وإذا انتهى هذا القارئ المختص من مهمته، بدأ في مرحلة تجميع النص الجديد، فيعمل فيه أدواته النقدية،ملتزمًا بالقوانين الناظمة لهذا المجال، إلا إذا اكتشف خللًا بنيويًا، فهذا مما يجوز له فيه أن يخرج عن النص.

لا مجال للحياد

القارئ المختص لا يمكنه أن يتخذ مسافة من المؤلف الأصلي للكتاب، فهو يستعمل قلمه الأحمر لتصويب ما يراه خاطئًا، لأن هذا لا يتنافى ومبدأ التجرّد من المؤثرات الشخصية.فلو رأى هذا الناقد هفوات في متن النص أو  أحكامًا غير مسلم بها، فلا بد له من الانحياز للحقيقة العلمية.ولعل هذا الصنف من القراءات هو الذي يزيد من جمالية النص، ويغري القارئ بالمتابعة. وتلك موهبة لا تتفق إلا للنقاد المهرة.

قراءة تبسيطية

تلجأ الصحف السيّارة إلى بعض الكُتّاب لاختصار كتاب ما. وهي -أيْ: الصحف- إنما تسابق الزمن كي تفي بالتزاماتها لقراء يحبون الأشياء الجاهزة، ولا يتوقفون كثيرًا أمام دلالات الأشياء. لذا يقوم الكُتاب بعرض سريع للكتاب، يتناولون فيه بعض الأحداث البارزة، لكنهم لا يتدخلون برأي شخصي، فهم أشبه بقارئ نشرة إخبارية. ومع ذلك ،فهذه الطريقة لا تخلو من وجاهة وفائدة؛ فهي تعطيك فكرة عن الكتاب ، وإن قصرت بعض الأحيان، وأخلت بالمضمون.ولعلك اكتشفت في هذا العرض السريع كيف أن القراءة النقدية تعطي حياة جديدة للنص، مع احتفاظها بروح الكتاب المقروء. والقارئ الذكي يدرك أن مضمون الكتاب لم يتأثر بهذه القراءة.

هل التلخيص إبداع؟

لا شك عندي أن هؤلاء الكتاب مبدعون حقًّا؛ فهم يعيدون علينا نمط تفكير كاتب ما، وذلك من خلال اختصار إبداعاته، دون أن نلاحظ إخلالًا بالأساس. فالذي يقدم قراءة في كتاب إنما ينشئ نصًّا موازيًّا ينجح في منافسة النص الأصلي، مع أنه أقصر منه، وأكثر تكثيفا. ولعل هذا لا يقدر عليه إلا الكتاب الكبار. وقِسْ على هذا صنعة السينمائي والسيناريست، والمخرج؛ فهؤلاء مؤلفون تابعون ولكنهم أبدعوا في استنطاق النصوص، مما أهلهم للتفرد في صناعتهم.من هنا؛ لعلك أخي القارئ رأيت صعوبة هذا المنهج وكيف أن قراءة وتلخيص الكتب ليست من المسائل التعلمية التي يجدي فيها التلقين، فهي موهبة أساسها الذوق والحسّ النقدي الذي لا يكذب صاحبه. فتأمل.

خلاصة الكلام

لكن، لا بد لنا أن نعرف أن هناك اختلافات جوهرية بين حقول المعرفة، مما يرتب مناهج متعددة في القراءة والتلخيص؛ فالعلوم التجريبية لا يمكن معها استعمال هذه الطرائق التي نخضع لها العلوم الإنسانية. وغني عن القول إن كل كاتب له طريقته الخاصة في عرض تصوره النقدي في التعامل مع النصوص. ولا يمكنه أن يفرض منهجه على الغير إلا إذا استند إلى قواعد علمية لا تقبل الجدل. وخشية الإطالة على القارئ، اختصرت الكلام في هذه المباحث؛ إذ قلّة هم الذين يصبرون على قراءة المقولات.وحسبي أن أكون قد مهدت الطريق لأناس لم يتمرسوا بالكتابة، حتى يأتي من يضيف شيئًا آخر. إذ العلم مبثوث في كل مكان، وما هذا إلا اجتهاد شخص لا يدعي شيئًا لنفسه،ولكنه يبقى متمسكًا باجتهاده ،ريثما يأتي ما ينقضه.
إليك أيضًا

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..