لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
الثقافة غير مرتبطة بالتعليم، فكم عدد الأشخاص المتعلمين الذين ليس لديهم أي ثقافة؟ وكم عدد الأشخاص المثقفين والواعين الذين لم ينالوا حظهم من التعليم؟ ولهذا يكون من الصعب على هؤلاء المثقفين الاندماج في المجتمع، صعب عليهم تكوين صداقات مع أشخاص غير مثقفين وواعين لما يدور حولها، لذا يعانون من الوحدة بعض الشيء، وربما هذه الوحدة بالنسبة لهم أفضل بكثير من تكوين صداقة مع شخص لا يناسب أفكارهم.
صعوبة تكوين الصداقات على المثقفين
المثقفين فئة من الناس الذين اختاروا الوعي والمعرفة بإرادتهم بعيدًا عن الدراسة المدرسية والجامعية، فما تعلموه في المؤسسات التعليمية شيء، والثقافة التي اكتسبوها بأنفسهم شيء آخر، هم شخصيات متحضرة وراقية، والفكرة هنا ليست في مجرد أنهم أشخاص متعلمين، فكم من شخص متعلم لكنه لا يمتلك أي ثقافة! بل الفكرة أنهم أشخاص ذوو عقول وقلوب حكيمة، أشخاص لا تستهويهم التفاهة ولا تسيطر عليهم، لذا يعاني هؤلاء الأشخاص من صعوبة في تكوين صداقات مع أشخاص فارغة القلب والعقل.الصداقة هي علاقة يجب أن تقوم على أسس وقواعد متينة لكي تنجح، أهمها أن يكون هناك توافق فكري بين الصديقين، الفروق في مستوى الأفكار –وليس في الأفكار نفسها– يجعل من الصعب على علاقة الصداقة أن تستمر، الصداقة تتطلب عمق للاستمرارية، أما الأشياء السطحية فليست أسبابًا تدفع علاقة الصداقة للاستمرار.الأشخاص المثقفون يكون لديهم طموحات عالية ويسعون وراء أحلامهم، ويريدون تحقيق أشياء ذات قيمة في الحياة، وبالتالي لا تتوافق أفكارهم مع أي شخص سطحي بلا طموح في الحياة سوى أن يأكل ويخرج وينام، أو شخص لا يحب أن يفعل الكثير في حياته، راضٍ خانع بوضعه، يريد دائمًا أن يكون في منطقة الأمان أو يخوض تجارب متهورة وغير محسوبة، وهذا عكس الأشخاص المثقفين الذين يريدون تغييرًا مدروسًا ومحسوبًا.الشيء الصعب الذي يجعل علاقة الصداقة بين المثقف وغير المثقف تفشل هو الشعور بالفجوة، الفجوة التي يشعر بها المثقفون مع هؤلاء الأشخاص، الكلام السطحي الذي يفتقر دائمًا إلى الجدية والعمق، لذا لا يجدون أنفسهم معهم، ويقول العديد من الخبراء إن الأشخاص ينجذبون لتكوين صداقات مع أشخاص متساويين معهم، وإذا كان المثقف يشعر بعمق الفجوة بينه وبين الآخر فكيف سيكوّن صداقة معه؟
لماذا يكون صعبًا على الآخرين تكوين صداقات مع المثقفين؟
من جانب آخر فإن علاقة الصداقة بين المثقف وغيره تفشل من الناحيتين، فليس المثقف وحده هو من يشعر بعمق الفجوة بينه وبين الآخر، بل إن الآخر أيضًا يشعر أنه في علاقة صداقة مملة، يشعر أن المثقف عميق زيادة عن الحد المطلوب، أنه يفكر في الأشياء بصورة ذات تفاصيل كثيرة، والأمر لا يستدعي ذلك، الحياة كلها في نظره لا تستدعي ذلك، إنه يريد أن يعيش فقط، يقضي يومه ويخرج مع أصدقائه ويأكل ويشرب ويذهب لعمله ويعود، لا يريد شيئًا آخر، لا يريد التحدث في مواضيع حساسة ومهمة، لا يريد أن يغير العالم، ولا أن يسمع كيف يغير غيره العالم، وبالتالي يجد في صداقته مع المثقفين حملًا وثقلًا عليه لا يتحمله.
هل هناك عدد مثالي للأصدقاء؟
قد يظن البعض أنهم لا يمتلكون الكثير من الأصدقاء، وقد يصيبهم هذا بالإحباط، لا سيما المثقفون الذين يشعرون بعجزهم الاجتماعي في تكوين علاقات كثيرة، لكن لا يوجد عدد مثالي للأصدقاء الذي يجب على الشخص الحصول عليهم، ربما يمتلك شخص ما (100) صديق وآخر يمتلك صديقين أو ثلاث أصدقاء فقط، إذا نظرت للأعداد من بعيد ستظن أن الأول محاط بالكثير من الأصدقاء، وأن الثاني ريما يكون وحيدًا بعض الشيء، لكن إذا تعمقت في النظر فربما تكتشف أن الشخص الذي يمتلك (100) صديق يعاني من الوحدة أكثر لأن معظمهم أصدقاء غير حقيقيين، الصداقة لا تقاس بعدد الأصدقاء ولكن بحقيقة وجوهر الصديق، هل يقف بجوارك وقت الشدة، هل يتوافق معك وتتوافق معه، هل يفهمك وتفهمه، هل يضعك أولًا وقبل كل شيء؟الكثير من الناس لديهم الكثير من الأصدقاء بالفعل، لكن علاقتهم كلها في إطار التعامل السطحي، وعند أول ظرف حقيقي ستجد أنهم اختفوا، وإلا لم يكن الخل الوفي من المستحيلات، لذا لا تحسب صداقاتك بعددها ولكن بجوهرها وحقيقتها، وحينها ربما تكتشف أن صديقًا أو اثنين يمكن أن يغنوك عن الآلاف من الزائفين.
كيف يمكن للمثقفين تكوين صداقات؟
إذا كنت تعاني من صعوبة في تكوين صداقات نظرًا لاختلاف أهداف وميول وأفكار الأشخاص من حولك، فربما يجب عليك تجربة بعض الأشياء التي تساعد في تكوين أصدقاء جيدين ومثقفين وواعين بالعالم ويريدون إحداث فرق وتغيير حقيقي:
تطوع
لقد كونت أفضل أصدقاء لي على الإطلاق من خلال التطوع، التطوع يعني أنك ستجد أشخاصًا مثقفين واعين بأهمية ما يقدمونه للمجتمع، يريدون أن يحدثوا تغيير، يريدوا أن يكونوا مؤثرين، لديهم رغبة في مساعدة الغير، وإذا كنت مثقفًا وواعيًا فأنت بالتأكيد تعرف أهمية العمل التطوعي ودوره، ستجد في هذه الأماكن أشخاص لديهم اهتمامات مشتركة معك، لن يحدثوك في تفاهات ولن يكونوا سطحيين، لكن هذا لا يعني أنهم ليسوا مرحين، لقد كنا نتطوع ونساعد غيرنا، وفي نفس الوقت نمرح ونخرج ونلعب، لكننا كانت لدينا أهداف وخطط في الحياة، لم نكن نعيش هكذا دون هدف.
تعلم هواية أو شيئًا تحبه
يمكنك أن تجد أشخاصًا يشاركونك نفس نوع الهوايات أو الأشياء التي تحبها، هؤلاء الأشخاص لن يكونوا سطحيين بالنسبة لك، سيكون لديهم هدف يسعون وراءه، سواء تعلم لغة جديدة أو تعلم هواية وغيرها، في هذه الأماكن يمكنك أن تكون أصدقاء مع أناس يشبهونك بعض الشيء، أتذكر أني تعرفت على صديقين مقربين من خلال حضور دورات اللغة الإنجليزية، كانت لديهم أهداف معينة من تعلم اللغة مثلما كان لي أهداف، وهذا جعل حياتنا لها معنى وليست عشوائية.
اشترك في مجموعات القراءة
هناك مجموعات قراءة اشتركت فيها قبل فترة، كانت تضم مجموعة من عشرات المثقفين المهتمين بمجال ما من المجالات، بالطبع لم أكوّن صداقات معهم جميعًا، لكني استطعت تكوين صداقات مع أشخاص مناسبين لي من بينهم، أشخاص تشاركت معهم في الاهتمامات وفي نوعية ما نحب أن نقرأه، كنا نقوم بالتجمع كل فترة وشخص منا يسرد ما تعلمه من قراءة آخر شيء قام بقراءته، وفي الحقيقة إن الأشخاص الذين كوّنت صداقات معهم –وهي مستمرة حتى الآن– كانوا من أقرب الأشخاص لعقلي وقلبي.أعتقد أن السر الحقيقي في استمرار الصداقات أن تجد أشخاصًا حقيقيين، أشخاصًا ليسوا زائفين أو كاذبين، أشخاصًا لا يدعون، لن تجد هؤلاء الأشخاص في المجموعات السطحية، بل ستجدهم دائمًا في المجموعات التي تريد أن تحدث فرقًا وتغييرًا جوهريًّا، الأشخاص التي تقرأ وتسمع وتشارك وتنتج، وهؤلاء يمكنك أن تجدهم بطريقة أو بأخرى، فالشبيه يجذب شبيهه بالتأكيد، ولعلك يومًا ما بالقليل من السعي تستطيع تكوين الصداقات التي تستحقها فعلًا.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد