لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
على قدر حبنا وتقديسنا للقرآن الكريم، تمر علينا أوقاتًا نشعر فيها بالفتور وانعدام العزيمة على المراجعة والمحافظة على الورد اليومي، إلى أن تتلاعب بنا الوساوس بأننا قد نسينا ما حفظناه على مدار السنين.
لقد مررت بهذه الأزمة قبل امتحانات ختمتي الأولى -لحفظ استمر على مدار ستة سنوات- أمام لجنة التقييم، والتي كانت من ضمنهم مُعلمتي (وهذا شيء لو تعلمون عظيم). فكيف مرت الامتحانات وكيف كانت ختمتي، وما الذي تعلمته منها؛ هذا ما سأحكيه لك في هذا المقال.
قبل بداية الامتحانات
قبل أن تبدأ الامتحانات كان عقلي يرفض فكرة التقييم، وفكرة كوني مُلزَمة بمراجعة وتسميع خمسة أجزاء كل أسبوع، شعرت بالضغط وعدم الاستعداد بما يكفي للتقييم في هذه الفترة. وصدقني عقلي فكان غير قادر على التركيز وربط الآيات والمراجعة بشكلٍ طبيعي كما اعتدت.
امتحان الأسبوع الأول
رغم عدم استعدادي نفسيًّا وعقليًّا إلا إنني فضّلت الذهاب على الهروب أو التأجيل، وعندما دخلت اللجنة رأيت مُعلمتي فازددت رهبة وتوترًا لأنني أعلم أن أدائي لن يكون كما اعتادَت أن تراني، وهذا ما حدث بالفعل. ثم خرجت من اللجنة وأنا أشعر بالحزن والخجل وقررت بتسرع عدم تكملة الامتحانات والتأجيل إلى أن أكون مستعدة أكثر.
امتحان الأسبوع الثاني
رغم قراري بعدم الذهاب مرة ثانية، إلا أن قرار عدم الذهاب في حد ذاته كان يُحزنني، فليس من طباعي الهروب والاستسلام سريعًا. فهداني ربي ألّا أستسلم وأن أحاول وأستمر في المراجعة قدر المستطاع، وقلت لنفسي: لا تجبري عقلك على إتقان الخمسة أجزاء بالكامل، فلتأتي بما يفتح الله به لا مشكلة. وبالفعل أتقنت جزئين ونصف وأتيت بهم على أكمل وجه، ورغم عدم رضاء اللجنة بسبب نقص الجزئين والنصف الآخرين، إلا إني كنت سعيدة وفخورة بعدم الاستسلام.
امتحان الأسبوع الثالث
بدأت ذاكرتي تتنشط وتعود تدريجيًّا كما كانت من قبل، وبدأ الحماس يزداد والوقت يتسع وروحي تتحمس، وأتيت بالخمسة أجزاء إلا سورة واحدة فقط.
امتحان الأسبوع الرابع
كانت المفاجأة؛ لقد تمكنت من إتقان الخمسة أجزاء بالكامل، مع استمرار شغلي ومسؤولياتي وكل ما كان يشغلني عن ورد المراجعة اليومي، بل كنت بهذه الفترة مضغوطة أكثر من أي وقتٍ مضى.
امتحان الأسبوع الخامس
لم أقبل أن يقع مني ولو صفحة واحدة، أو ألّا اُتقن الخمسة أجزاء بالكامل، وكنت أشعر بالسعادة تغمرني بسبب عودة ذاكرتي وأدائي كما كان من قبل. وحتى إنني في هذه الفترة كنت أمر بوعكة صحية شديدة لكني كنت أجاهدها بالقرآن وكان هو المُعين والسند.
الامتحان الأخير
هذه المرة لم أتقن الخمسة أجزاء فقط؛ بل أتيت ببعض من الأجزاء التي وقعت مني في المرة الأولى. وخرجت من اللجنة وأنا فخورة بعدم الاستسلام والجهاد وعودة ذاكرتي وحفظي كسابق عهدي مع القرآن.
دروس تعلمتها من ختمتي الأولى:
- القرآن عزيز فلا تهجره وتنتظر منه أن يظل في عقلك كما كان.
- اجعل لوردك اليومي أولوية وأعطه أفضل أوقاتك لا فضله أوقاتك.
- لا يُزاحم القرآن شيء إلا وحلت بركته على كل شيء.
- لا تستسلم لفكرة النسيان، قاومها بالتذكر وابدأ بالسور الأسهل والأقرب لقلبك.
- لا تؤجل وتنتظر أن تتفرغ للقرآن لأن هذا لن يحدث.
- راجع من نفس المصحف الذي حفظت منه أول مرة، فذاكرتك البصرية ستساعدك على التذكر أسرع.
- اسمع لنفس الشيخ الذي حفظت كيفية النطق الصحيح منه، فلذاكرتك السمعية قوة رهيبة.
- لا تحفظ فقط، بل تدبر وافهم معاني الآيات قدر المستطاع، سيساعدك الفهم على ربط الآيات وتثبيتها بشكلٍ أفضل.
- اربط السور والآيات بأحداث ومواقف حياتية لك، هكذا ستكون قريبة لعقلك وقلبك وروحك.
- تخلى عن فكرة المثالية والكمال، فمراجعة جزء واحد بإتقان أفضل من لا شيء.
- استغفر كثيرًا، فالذاكرة تتأثر بتلوث روحك بالذنوب.
- اعزم النية واجعل هدفك محدد كل يوم حتى لا يضيع وقتك دون أن تأتي بوردك.
- كن مع الأشخاص والصُحبة التي تُعينك على الحفظ والمراجعة، فللأصدقاء دورٌ فعّال وقوي.
- كافئ نفسك واشعر بالفخر عند إنجازك لوردك اليومي.
- استمر، فرحلتك مع القرآن لن تنتهي بانتهاء ختماتك.
وفي النهاية أدعو لي ولك بالثبات والحفظ بحفظ القرآن، وبالفتح المبين في تدبر وفهم معاني الآيات، وبالبركة واليُسر والجنة في الدنيا والآخرة.