لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
أحد أعظم مصادر يأسنا: الاعتقاد بأن الأمور كان يجب أن تكون أسهل مما كانت عليه. في الواقع، نحن لا نستسلم لمجرد أن واجهنا ظرفًا صعبًا، ولكن لأننا لم نتوقع أن يكون كذلك. وغالبًا ما نُفسّر المعاناة على أنها دليل لافتقادنا الموهبة المطلوبة لتحقيق رغباتنا، فنجد أنفسنا نخضع لتلك “الحقيقة” ونجرّ أذيال الخيبة مستسلمين في النهاية، لأن معاناةً بهذا الحجم تشي باستحالة تجاوزها.
وبالتالي، تتعلق المحافظة على ثقتك بنفسك -إلى حد كبير- باستيعابك الأبعاد الحقيقية للصعوبات التي من المحتمل أن تواجهها. لكن لسوء الحظ، فنحن محاطون بقصص النجاح التي تجعله يبدو أسهل مما هو عليه في الواقع. الأمر الذي يدمر -عن غير عمد- الثقة التي استجمعناها لمواجهة العقبات في حياتنا.
أنا لا أقول أن قصّ القصص المتفائلة أمرٌ سيء. تخيّل إن قلنا لطفل صغير ما يخبئه له المستقبل (الوحدة، العلاقات المتصدعة، الوظائف المملة)، ماذا سيحدث؟ سيُحبط ويستسلم بالتأكيد. لذا، نفضل أن نقرأ لأطفالنا القصص ذات النهايات السعيدة.
الأنانية خلف الصمت عن الصعوبات
على الطرف الآخر، لا يتحدث البعض عن الصعوبات التي يواجهونها لأن ذلك يخدم مصالحهم؛ فنحن نحاول إقناع الناس. يبذل الفنان الناجح أو رائد الأعمال الماهر جهودًا كبيرة لإخفاء مجهوداتهم وجعل عملهم يبدو بسيطًا وطبيعيًّا وواضحًا. “الفن يكمن في إخفاء الفن” – الشاعر الروماني هوراس.
لا يكشف العرض الارتجالي “Stand-up” الكوميدي الرائع عن الوقت الذي قضاه الفنان في التألم بشأن كل تفاصيل أدائه؛ لن يخبرك الأخير عن حيرته ما إذا كان من الأفضل إبقاء أفضل نكاته لآخر العرض (ليضمن موجة التصفيق) أم في أوله للإيحاء بوجود كمّ كبير من الضحك الذي على وشك إطلاقه؛ أو ما إذا كان من الأفضل استخدام كلمة “صغير” أو ببساطة استخدام “صغير جدًّا جدًّا” ضمن النكتة الافتتاحية. الوقوف لقول أول ما يتبادر إلى الذهن -بعفوية- هو نتيجة عقود من التدريب.
ونحن من شجّعناهم على أنانيتهم!
لاحظ أننا أعتدنا إبقاء تفاصيل المعاناة بعيدة عنّا. هل تعتقد أن هناك من يرغب في قراءة المسودات الأولى لروائي؟ أو يعلم بشأن الصعوبات التي واجهتها الشركة الهندسية عند تشييد الفندق أو شكوى المهندس من النظام الهيدروليكي؟ بالطبع لا!
نريد أن نعجب بالسطح المصقول للأداة دون تذكير بالدوائر الإلكترونية المعقدة تحتها. وهنا نصل للمهم؛ عندما ننتقل من كوننا مستهلكين إلى منتجين، نبدأ في دفع الثمن غاليًا لجهلنا! نرى إخفاقاتنا المبكرة كدليل على عدم الكفاءة (في حين أنها مراحل حتمية يمرّ بها كل ساعٍ نحو الإتقان). بدون خريطة تنمية دقيقة، لا يمكننا وضع أنفسنا بشكل مناسب في مواجهة هزائمنا.
لم نر ما يكفي من المسودات للكتّاب الذين نعجب بهم، وبالتالي لا يمكننا أن نغفر لأنفسنا رعب محاولاتنا المبكرة. في الماضي، كانت المجتمعات أكثر حكمة من مجتمعاتنا في نقل تحديات جميع المساعي النبيلة. على سبيل المثال: زُيّن المعبد القديم المخصص للإلهة آفايا (Ἀφαία)، في جزيرة إيجينا اليونانية، بقطع بارزة من المنحوتات التي شُكّلت لمنحنا فكرة دقيقة للغاية عما ستكون عليه حياتك كمحارب؛ سيحاول شخص ما طعنك بحربة؛ الشخص الذي يقف بجانبك في الكتائب سينهار؛ ستقهقر، وربما يضرب رأسك بسيفك ومن المحتمل أن يقوم خصمك بإطلاق سهم في ظهرك وأنت تستدير للفرار.
أولئك الذين أمروا بإنشاء الهيكل كانوا يهيئون شعبهم -عمدًا- لصعوبات المعركة، حتى يكونوا مستعدين عندما يدخلون الميدان. في الوقت نفسه، كانوا يكرمون حياة أولئك الذين تجرأوا على خوض هذه النضالات العملاقة. كان المحاربون يستحقون الهيبة -بحسب أقوال بناة المعبد- لأن الحرب لم تكن أبدًا طريقًا إلى المجد السهل. كان من الضروري أن يُعرض هذا التمثال في وسط المدينة خصيصًا، بحيث يمكن للمرء أن يصادفه في المناسبات الجادة والمهمة من مختلف طبقات المجتمع.
على الرغم من مواردها المحدودة، بذلت المجتمعات اليونانية القديمة جهودًا مذهلة لتذكير نفسها بما تنطوي عليه بالفعل أكثر الوظائف المرموقة المتاحة (ألا وهي قتل الأعداء).
على النقيض منهم، نحن نفتقر -بشكل مخيف- إلى الروايات التفصيلية والصادقة والمقنعة لما يمكن توقعه حول الجوانب الرئيسية في حياتنا المهنية. لتدعيم ثقتنا، سنحتاج بانتظام إلى مواجهة النظائر الحديثة لأعمال النحاتين الكلاسيكيين: الأفلام والقصائد والأغاني والروايات التي من شأنها أن تمثل لنا الآلام التي تتكشف في المحاور غير الجذابة ولكن التمثيلية الكبيرة للرأسمالية الحديثة.
هذا ما تنطوي عليه الحياة الناجحة حقًّا
سيُظهر لنا الفنانون الأوائل، دون تحفظ أو خجل، ما تنطوي عليه الحياة الناجحة حقًّا. سيأخذوننا في رحلة نتذكرها أثناء بكائنا في أروقة المكاتب، والاجتماعات التي سُترفض فيها أفكارنا وتُحبط توقعاتنا، والمقالات الساخرة التي سنقرأها عن أنفسنا في الصحف، والساعات التي سنقضيها في غرف الفنادق -في بلاد الغربة- وحيدين بينما نشتاق لرؤية أطفالنا، نشعر بأن أفضل رؤيتنا قد وصلت بعد فوات الأوان، وعدم القدرة على النوم من القلق والارتباك.
حينها.. وحينها فقط
سنكون في وضع أفضل لفهم نتائح أعمالنا مقابل مجموعة واقعية من التوقعات. سيغدو لانتكاساتنا معنى مختلف. بدلا من أن تبدو كدليل على عجزنا يدمّر ثقتنا، وسنفسر مخاوفنا ومتاعبنا على أنها معالم -لا مفر منها- على طريق النجاح، وليست انحرافات أو تحذيرات مصيرية. الثقة ليست الإيمان بأننا لن نواجه العقبات. وإنما الاعتراف بأن الصعوبات جزء لا يتجزأ من جميع الإنجازات الجديرة بالاهتمام. باختصار، نحتاج إلى التأكد من أننا يجب أن نقدم الكثير من الروايات للعالم التي تجعل الألم والقلق وخيبة الأمل أمرًا طبيعيًّا.