لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
أحاول كتابة شيء ما ولكني لا أملك أفكارًا، وصوت بائع الخضر والفواكه تحتنا يخترق طبلة أذني وهو ينادي عن البطيخ والطماطم، لذا قررت الكتابة عنه. إنه شخص نشيط، واثق من نفسه، محب لعمله، صوته قوي جدًّا تسمعه من مكان بعيد، قد يجعلك تستفيق من نومك، وتسمع ثمن السلع المعروضة وثمن الفاكهة الموسمية قبل أن تغسل وجهك وتشرب قهوتك.له أبناء يعملون معه بنفس النشاط والهمة، مع قليل من المشاكسات أحيانًا فهم شباب وهذا شيء طبيعي لمن هم في مثل سنهم، وأسلوبهم المرح في المعاملة جعلهم باعة ناجحين ويفضلهم الأغلبية من الزبائن، فتجد كل واحد يكمل عمل الآخر بتفاهم وود، العمل منظم، والمحل مرتب، والزبائن يملؤون المكان من بداية النهار، ها قد طلت عليهم سيدة خارجًا من وراء صناديق الخضر تسأل عن شيء ما، فرحب بها ابنه قائلًا: تفضلي إلى الصالون، لا تكتفي بالنظر من الشرفة.وكذلك لأنهم يدعون الزبون على راحته، ينتقي السلعة التي يحتاجها بنفسه وحسب رغبته، لا يعترضون ولا يتذمرون، انتقلوا حديثًا إلى حيّنا ولكنهم بثّوا فيه روح المرح والنشاط والهمة والمنافسة الشريفة، ومع كثرة العرض وقلة الطلب تغيرت عادات الباعة الذين أصبحوا أكثر وُدًّا وألطف من ذي قبل.
ابنه غريب الأطوار
ربما لم تسمع يومًا بائعًا ينادي على سلعته بالعامية والإنجليزية والفرنسية، مجرد كلمات عشوائية يبدأ بها كترحيب أو سؤال عن الأحوال وتحيات صباحية ومسائية، ويليها اسم السلعة وثمنها، يتخللها تحيات للوطن والعلم الوطني، يتبع أسلوب والده صاحب الجملة الشهيرة، (welcome, welcome بالعربية مرحبا بكم). فحب العمل يجعلهم يبدعون في انتقاء الكلمات، وتناغم الجمل العربية والإنجليزية بقافية فريدة من نوعها، وروحهم المرحة طاقة إيجابية تنتقل لكل من يتعامل معهم، وتبث فيهم الهمة والنشاط، حفظهم الله من كل سوء وشر، فريق ناجح بكل معنى الكلمة.
الثقة بالنفس وحب العمل أهم شروط النجاح
سواء اخترت عملك أو فرض عليك، فأهم شرط للنجاح هو حب ذلك العمل، وعدم الخجل من شيء أحله الله، فلا يحط من قيمة الإنسان سوى الأفعال المحرمة والنهب والسرقة، فالباعة المتجولون أو أصحاب المحلات المنضبطون والجادون في تعاملاتهم والمحبون لعملهم، مروجون جيدون لسلعهم، ومحلاتهم مشهورة ومليئة بالزبائن، عكس الباعة الخجولين، أو المتذمرين لأنهم لم يجدوا عملًا آخر فكثيرًا ما نقع في فخ البائع ونبتاع أغراضًا لا نحتاجها لطريقته المغرية في البيع وحسن تصويره للسلعة التي يبيعها.بينما لا يحالفنا الحظ في اقتناء غرض أحببناه لمجرد تعاملنا مع بائع متعجرف أو متذمر أو متقلب المزاج يتأثر بتعامله مع أحد الزبائن ويبث غضبه في البقية والكثير من الصفات التي لا تعد ولا تحصى، فالتجارة تحتاج للابتكار والإبداع والصبر والتأني وعدم التهور في التعامل مع مختلف أنواع البشر، لكيلا تسوء سمعة البائع وبالتالي ينفر منه الزبائن، وكذلك للمحافظة على سمعة المحل ونشاطه التجاري.
أنت كزبون
أيًّا كانت السلعة التي تريد اقتناءها، فأنت مطالب بسد ثمنها، لذلك من حقك حسن المعاملة من طرف البائع، والتفهم إن لم تعجبك سلعته أو أنك غادرت محله لأنه لم يعجبك أسلوبه في الحديث أو عجرفته، فمعظم الناس تدخل المحلات بناء على لطف الباعة الموجودين فيها بغض النظر عن عرقهم ونسبهم، أو واجهات المحلات الفخمة، فبعض المحلات رغم بساطتها تعرض أفضل السلع بأثمان معقولة، عكس المحلات المغرية، وأهم من المعاملة التجارية، المعاملة الإنسانية.
في الأخير
أيها الجيران الطيبون الذين لا أعرف تفاصيل وجوهكم، ولكني أعرف الكثير عنكم من خلال أصواتكم، ربما يقرأ أحدكم هذه المقالة يومًا ما، فاعلموا أن أسلوبكم من حرَّك هذا القلم، فمعذرة إن لم يعجبك ما كتبت، وتحية خالصة إذا أحببت ذلك، ومعذرة مرة أخرى أنا لا أتجسس، ولكن أصواتكم تقتحم البيت، فنحن في صيف والنوافذ مفتوحة.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد