لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
كل حياة بني إنسان هي في مستوى تحكمه لا داعي لإلقاء اللوم على الآخرين، التغيير نحدثه نحن إيجابًا كان أو سلبًا ولا سبيل إلى فهم ذلك المسار وتغييره إلا إذا عزمنا أمرنا على الاعتراف بأكبر أخطائنا، التي تبدأ بعدم تحمل المسؤولية التي أضحت عادة صائغة لنا في وقتٍ كل شيء فيه مسخرٌ ليكون لك لا عليك، فلا رقابة هنا اليوم الرقيب الله والمراقب أنت لحياتك فإما أن تستغلها وإما أن تُستغل أنت عوضها ولكلنا الاختيار على أي حال.
التغيير
إنّ السعي الحثيث وراء تغيير ملحوظ وسط منظومة فاشلة لهو أمر مستحيل مهما كان حجم العمل عليه، فالتغيير لا يحدث بفعل إنشاد أهداف كبيرة فكلّ البشر يتقاسمون الأهداف ذاتها والجميع يريد حمل التغير على مجموعة من الأمور من حياته الخاصة إلى وظيفته مرورًا بالحياة السياسية في بلده، لكن المهم المنسيّ في هذه الحلقة الفارغة من التمنيات هي أن هذه الأخيرة لا تعدو كونها مجرد أحلام بالمعنى الفعليّ.
فالمعنى الحقيقي للهدف أن تبنى له منظومة تؤطر لبلوغه تتطور مع الوقت ويزيد ثباتها على هذا الأساس، فيشتد ثباتها بفعل تنقيحها وتحسينها بمرور الزمن، وذا بيتُ القصيد. إن رسم خارطة لأهداف كثيرة لن تحقق نفسها بفعل جعلها أهداف فقط لمجرد ضياع للوقت والمال والجهد، لكن التغيير الحقيقي يكون ببناء مجموعة من التغييرات البسيطة في كل مرّة وجعلها أساسًا دوريًّا وسمة لمنظومة تتحرك بفعل التغيرات الصغيرة، فهكذا تبنى الأنظمة الضخمة، فالمعادلة بشكل يسير كلما عظم الهدف صغرت منظومة تغيراته وكثرت وامتدت مع مرور الوقت لإرساء أسس منظومة كبرى عبارة عن مجموعة أهداف تكونت عبر تحسينات وقرارات صغيرة الحجم.
الهوية
وتتشكل هويتنا بناء على نمط عيشنا اليومي وما نتخذه من قرارات ونكرّره من عادات وهو ما ندعوه بالروتين، ويختلف هذا الروتين من شخص إلى آخر حسب البيئة والمعتقد ونظرتنا إلى ذواتنا وهدفنا في الحياة، لكن الأهداف بطبيعتها تتغير حسب المجال الزمني الذي نحن فيه وإن كانت حياتك عبارة عن منظومة من العادات والقيم تتبدل باختلاف الأهداف فصعب أن تتقدم في أهدافك لأن الهدف يعني بناء منظومة من القيم تتلاءم مع هذا المنحى.
لذلك فالأشخاص القليلون الذين يبنون منظومة حياتية انطلاقًا من قيمهم و مبادئهم و ما يريدون أن يكونوا عليه مستقبلًا يكونون أنجح عمليًّا لأنّ أهدافهم تأتي مطابقة لهويتهم فهم يغيرون اتجاه نظرهم إلى الهدف بتماشٍ مع هويتهم، و في غياب هوية راسخة تتوازى مع أهدافنا يظل الأمر مستصعبًا علينا حتى في أكثر اللحظات التي يخالجنا فيها أمل التغير نحو الأفضل ويهزّنا الحماس ووَفْقًا للعقل فتشكّل عادات الإنسان الطبيعية عملية ضرورية لإراحة الدماغ في الحالات المتكررة من أفعالنا؛ لذلك فالعادات اختصار للوقت والجهد إذا كانت حسنة.
وكل عادة تمر من مراحل أربع تتمثل في الإشارة وهي الفعل الذي ينبه الدماغ إلى استحضار العادة، ثم التوق وهي الدافع وراء استحضار العادة والذي يمكن أن يكون الحفاظ على الطاقة وعدم بذل الجهد ومن ثم الاستجابة وهي فعل العادة نفسه، ثم المكافأة وهي الشعور الذي ينتابنا من راحة وإشباع للرغبة في النجاح، وقد نمثل لدائرة خلق العادة بالقول: إنك تسمع رنين الهاتف فيكون بمثابة إشارة إلى الدماغ بضرورة الإجابة فيتوق الدماغ إلى معرفة المتصل فيجيب فتحصل الاستجابة وتكون المكافأة معرفة المتصلة وإشباع فضوله وهكذا.
وتمر كل عادة من نفس المراحل بدءًا من دخولك المنزل إلى استلقائك على الفراش، فالدماغ مهيّأ للتعامل مع العادات؛ لأنها مصدر لا يضيع طاقته بحيث إن الدماغ لا يحب إهدار طاقته لذلك يقاوم كلما أردنا بناء عادة حسنة فهو يعرف بأنها سلوك يحتاج وقتًا وطاقة فيعاكس إلى أن تصبح عادة أوتوماتيكية على عكس العادات السيئة التي تكون واضحةً وجذابة وسهلة ومشبعة فيكون من الصعب التخلي عنها وبناء عكسها على الأقل.