لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
تُعْرَف التنمية بأنها تطوير للموارد بأنواعها سواء بشرية أو ثروات طبيعية، من أجل زيادة الناتج المحلي، للوصول إلى الهدف المنشود، والذي تسعى إليه كل الأمم، ألا وهو توفير احتياجات الفرد الأساسية، ولكن قد يتم استهلاك تلك الموارد بشكل مجحف، فيؤدي إلى أضرار بيئية، يحذر منها العلماء في كل مناسبة.إن السير في استغلال الموارد على هذا النحو يعتبر ظلمًا للأجيال القادمة وللبيئة وللكون بأسره؛ لذلك بدأ علماء البيئة وأصدقاؤها ينادون بضرورة التوجه إلى ما يعرف بالتنمية المستدامة، وهي تلك التنمية التي يتم فيها استغلال كل الموارد بشرط عدم المساس بحقوق الأجيال القادمة فيها وضمان استفادتهم منها على أكمل وجه، دون لإحقاق الضرر بالبيئة.ظهرت العديد من النظريات التي تحاول معالجة هذه القضية، ولكن لم نرَ لها ذلك الأثر، ولم يشجعها أحد. وكانت كل تلك النظريات والآراء، تنظر إلى الاقتصاد كمجال منفصل قائم وحده، ولا علاقة له بالبيئة وبالقضايا الاجتماعية وبل حتى الإنسان.فكان للبرفسورة “كيت راورث” والخبيرة الاقتصادية في جامعة أكسفورد رأي آخر، بعد أن لاحظت أن الرأسمالية بطريقتها الحالية في استغلال الموارد، لا تخدم رؤية التنمية المستدامة، وسيصل العالم بهذه السياسات إلى مأزق حقيقي مستقبلا، فنادت بنظرية “اقتصاد المدونات” عام ٢٠١٢، ونشرتها بشكل رسمي من خلال كتابها “اقتصاد المدونات: سبع طرق للتفكير كاقتصادي في القرن الواحد والعشرين”، وكان ذلك في عام ٢٠١٧، فما هو اقتصاد المدونات؟
اقتصاد الدونات
هو إطار مرئي للتنمية المستدامة –على شكل دونات– يجمع بين مفهوم حدود الكوكب والمفهوم التكميلي للحدود الاجتماعية. تنطلق راورث من مبدأ أن العالم كله ببيئته واقتصاده مرتبط جدًّا مع بعضه، ومن غير المجدي البحث على حلول خاصة بالبيئة وأخرى خاصة بالاقتصاد كل على حدة، بل يجب على صناع القرار أن يأخذوا هذا الارتباط بعين الاعتبار، إذا أرادوا مجتمعًا مزدهرًا بالمعنى الحقيقي، حيث تُلبى احتياجات الفرد الأساسية مع الحفاظ على البيئة.
فلسفة اقتصاد الدونات
قسمت راورث نظريتها إلى ثلاث دوائر، حيث تمثل الدائر الداخلية الاحتياجات الأساسية لكل فرد، والتي تعتمد على التنمية المستدامة، وتشتمل على الغذاء، والإسكان، والمياه النظيفة، والطاقة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، والتعليم، وحرية التعبير، وأما الدائرة الخارجية تمثل أقصى حد يمكن تجاوزه في التعامل مع البيئة واستهلاكها، وما بين الدائرتين تمثل المساحة الآمنة للإنسانية، التي تجسد استثمارنا للموارد دون المساس بمقدرات الكون، أو تجاوز للخطوط الحمراء التي حددها علماء البيئة.
الطرق السبعة الاساسية لنظرية الدونات
١. تغيير الهدف
كل النظريات الاقتصادية السابقة كانت تهدف لشيء واحد، وهو زيادة معدل النمو الاقتصادي، في حين تهدف نظرية اقتصاد الدونات إلى توزيع عادل للثروات، مع توفير الاحتياجات الاساسية للأفراد، دون المساس بالبيئة.
٢. نظرية جديدة
حان الوقت للتفكير برؤية اقتصادية جديدة، تأخذ على عاتقها مبدأ التنمية المستدامة التي ترتبط بالواقع الاجتماعي والسياسي، ونبذ أي اتجاه يفكر في تقنين ذلك الاقتصاد بعيدًا عن الواقع السياسي والاجتماعي.
٣. احترام الطبيعة الإنسانية
الإنسان كائن اجتماعي، وطبيعته تحتم عليه احترام الطبيعة البشرية التي من المفترض أنها تسعى لمصلحة المجتمع ككل، يجب التفكير جديًّا في توقف الإنسان على السعي وراء المصالح الفردية، التي يغذيها الجشع والطمع.
٤. نظام مرن
يجب التعامل مع الاقتصاد بكثير من المرونة، فهو لا يخضع لقواعد ثابتة، ولا يمكن تنبؤ توجهات السوق. فلما لا نتعامل مع الاقتصاد على أنه حديقة، والاقتصاديون على أساس أنهم مزارعون، ويهتم كل مزارع بحديقته، ليساعدها على النمو الصحيح.
٥. إعادة توزيع الثروات
ولأن الاقتصاد لا يعمل بشكل منفصل عن السياسة، فلا بد من إيجاد قرارات سياسية، تسهم في توزيع العادل للثروات، للحدّ من نسبة الفقر، والعمل على تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء الآخذة في الاتساع بشكل يومي.
٦. التوسع في الصناعة لإعادة الاستهلاك وتقليل حجم المخلفات
على مر السنوات الطويلة الماضية كانت علاقة الإنسان بالبيئة تقوم على استنزاف الموارد الطبيعية وتصنيعها إلى منتجات استهلاكية، ثم التخلص منها كمخلفات. وهو نظام أسمته لوارث (take- make- use- lose)، ولهذا النظام مخاطر وأضرار كبيرة على البيئة، ولهذا يجب تبني نظام تدوير المخلفات، وأن تكون مخلفات صناعة هي مدخلات لصناعة أخرى وهكذا بحيث يتم إعادة استهلاك المنتجات وتدويرها مرة تلو الأخرى، وذلك من أجل تلبية جميع احتياجاتنا دون استنفاد الكوكب، مما يعني إنشاء علاقة متوازنة بين الناس والبيئة.
٧. نحن بحاجة إلى نظرة أكثر شمولية واقتصاد للكوكب ككل
يجب النظر بعين اقتصادية شمولية تشمل كل كوكب الأرض، مع مراعاة البعد الإنساني والبيئي.كل تلك المبادئ التي تنادي بها نظرية اقتصاد المدونات، كانت شبه نظرية، كما لاقت عدة اعتراضات بدعوى أنها مثالية وغير منطقية، غير أن بعد جائحة كورونا وانهيار اقتصادات الكثير من الدول، تبنت مدينة أمستردام هذه النظرية، وشرعت في تطبيقها، حيث تم تأسيس منظمة تدعم الأنظمة والشركات الراغبة في التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة، وسرعان ما تتالت المدن الأخرى للحاق بركب اقتصاد المدونات.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد