لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
الموت حقيقة مؤكدة إلا أننا ننظر إليه على أنه احتمال بعيد، نطرده كفكرة تثير قلقنا على أحبائنا فكلما تعلقنا بشخص نخشى عليه الموت، أول أشخاص بكينا خوفًا عليهم هم الأب والأم والجد والجدة، وذلك لتعب متكرر أو لتقدمهم في العمر، ولكن عندما جاءت الجائحة دبّ الخوف في قلوبنا على الجميع، ثم بعد عام ونصف أصبح في كل بيت تقريبًا شخص غيّبه الموت، ومن ثَمّ عرفنا جميعًا هذا الحزن، يكمن جزء من الألم في جهلنا بالأمر والوحشة واستحالة التواصل، في عالم أصبحت فيه وسائل التواصل عن بعد متاحة بشكل مذهل، يصعب علينا تحمل فكرة أنه ما من وسيلة أبدًا تمكننا من التواصل معهم، فنشعر أن العالم الذي كنا نعرفه في وجودهم قد انتهى، ولكن أنا هنا لأخبرك أنه لم ينتهِ تماما ولكنه تغير.
كتاب المطالب القدسية في أحكام الروح وآثارها الكونية للعلامة الأزهري الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي يُعد من أفضل الكتب التي قرأتها مؤخرًا في هذا الأمر.عاش الشيخ بين عامي 1861 و1936 وهو من أنشأ مكتبة الأزهر وكان من أعضاء مجلس إدارته ثم عُيِّن وكيلًا للأزهر ثم انقطع بعد ذلك لتدريس التوحيد والفلسفة وأصول الدين، وهو والد الشيخ حسنين محمد مخلوف الذي تولى منصب مفتي الديار المصرية في الفترة بين عام 1946 و1950.
أين تذهب أرواح الموتى؟
هذا أول سؤال يتبادر إلى ذهننا بعد الصدمة الأولى، هل يصعد عزيزنا إلى السماء؟ أم يظل حبيس هذا القبر المغلق؟في هذا الكتاب يقول الشيخ حسنين بأدلته التي ضمنها هوامش الكتاب: إن للأرواح درجات حتى الأرواح المؤمنة فمثلًا الشهداء هم أعلى درجة بعد الأنبياء، وقد ذهب معظم العلماء إلى أنّ الأرواح باختلاف درجاتهم تتصل بأفنية قبورهم بشكلٍ ما، لا يعلمه إلا الله تعالى ولكنها لا تسكنها في المطلق، فهي تتصل بأبدانها فترد السلام وتعرف المُسلِّم ويُعرض عليها مَقْعدها من الجنة أو النار وتعرف من زار قبرها وتتباهى بهذه الزيارة أمام الموتى وتستمع إلى أحاديث الزُّوار، فإن كان هذا القبر مستقرًّا فهذا لا يمنع قدرتها على التنقل والعودة.فيقول العلماء إنّ الأرواح تنقسم إلى منطلقة ومحبوسة بحسب عملها وهذه المنطلقة لها درجات في انطلاقها. في ذات الكتاب يذكر الشيخ حسنين أن هناك طائفة من العلماء ترى أن مستقر الأرواح هو السماء الدنيا على يمين وشمال سيدنا آدم والدليل حديث في الصحيحين لأبي ذرّ من حديث المعراج. وقد أورد رأي الشيخ جلال السيوطي أن الأرواح كلها مستقرّها البرزخ وهو شيء عظيم خلقه الله تعالى على هيئة القرن فيه ثقوب بعدد الأرواح وكل روح لها اتصال معنوي بجسدها حيث كانت وأرواح المؤمنين تتواجد عند أفنية القبور من فجر الخميس وحتى صبح السبت وأرواح غير المؤمنين مسجونة في سجين.
درجات الأرواح
أعلى درجات الأرواح هم الشهداء وكما ذكر في الحديث الشهير أنهم في حواصل طير خُضْر في الجنة وفي الكتاب أضاف أنه ليس شهداء الحروب فقط أو أرواح الشهداء فقط هم من يجولون في حواصل الطير عند العرش أو في الجنة ولكن ذكر أنه هناك درجات من الطيور أنواع متعددة وكل نوع يحمل درجة من الأرواح يسبحون ويذهبون بحرية ثم يعودون.وقد أورد في الكتاب قول الشافعي عن حديث أخرجه الامام مالك عن كعب بن مالك: “إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة” وقيل: إن لله في السماء السابعة دارًا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين.
هل تتلاقى أرواح الموتى؟
إذن هل مَن فقدناهم يمكنهم لقاء أحبائهم في العالم الآخر؟ورَد حديث صحيح يُرْوى فيما معناه أن الروح بمجرد الوفاة تصعد إلى السماء ويشمّ طيبها الملائكة بينما هي صاعدة وهناك تلتقي الأرواح ولهم أشد فرحًا بها من فرحتنا بعودة المسافر فيجلسونه ويتحدثون معه ويسألونه عن أخبار الأحياء هل فُلانة تزوَّجت وفلان ماذا فعل؟ فيقول أهم أخبارهم، وعند أحدهم فيقول إنه مات قبله ألم يأتكم؟ فيقولون ذهب إلى أمه الهاوية أي إنه لم يلتقِ بهم بل هو محبوس في مكان بعيد.إلا أن الكتاب يقول: إن الأرواح وإن اختلف مستقرّها أي المكان الذي أعطاها الله سبحانه وتعالى جزاءً لعملها فهي تتجول في مُلك الله وهذا على حسب درجة قربها من الله فبعض الأرواح الطاهرة تجول حتى إنها تتفقد أحوال أهل بيتها. وقد ذُكِر أنّ الأولياء والصالحين عندما يذكر اسمهم في دعاء لهم يحضرون إلى مكان ذِكْرهم ويعلمون مَن ذَكرهم وكذلك يشعرون بالأذى إذا ذكرهم أحد بسوء.
هل يمكننا التواصل مع أرواح الموتى؟
يقول الكتابيمكننا ذلك بثلاث وسائل إما عند الزيارة والحديث معهم عند القبر والشاهد حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع صحابته حين قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم.الوسيلة الثانية: الأحلام ومعروف علميًّا أن الروح تترك الجسد أثناء النوم مرتبطة بحبل سري فتلتقي بأرواح أحبائها أو تستقبل رسائلهم حتى لو كانوا أرواحًا غير منطلقة، فقد يحتاجون إلى صدقة أو عمل صالح يخفف عنهم.الوسيلة الثالثة: يقول الكتاب إنها التخاطر، فهو يرى أن الأرواح يمكنها معرفة حركة أفكارك فهي أصلًا وسيلة التواصل بينهم لذا فهي شديدة القوة لديهم ويمكنك تقويتها بالتحرُّر قليلًا من ماديتك والاهتمام بالروحانيات التي تجعل روحك شفافة تستقبل رسائل العالم الآخر بواسطة الرؤى.في النهاية الموت هو انتقال إلى عالم أوسع وأخف وأحبائنا هناك يشعرون بالراحة والسكينة وتصلهم أفكارنا ومشاعرنا ويشعرون بنا فيلبون نداءات اشتياقنا بضمة في المنام.
إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد