لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
المُتبادَر في أذهاننا جميعًا أن العمل رِبح ومنافَسة ويتخلّله جانب كبير من إظهار النفْس أولًا ولا تنفع فيه الأَثَرة فهو قطار سريع يجب استغلاله جيدًا، وأن صاحب العمل يريد شخصًا متسارعًا الذي ينجز الكثير في الوقت القليل، ماذا لو كانت رحلة العمل الحقيقية المَليئة بالفائدة والتجارب والمَخزون من الخِبْرات ليست متطلبها ذلك. بل تتطلب رضاك كعامِل عن نفسك وعن أعمالك وعمّا تنجزه. نَعَم لا جدوى من اتّباع مفاهيم عامّة مجردة لبيئاتِ العمل يجب ألا تنسى ذاتك وسبَب مجيئك واختيارك للوظيفة، فلا حاجة لك لعمل أنتَ لست فيه وهو ليس فيك.
عندما تتَّجه نواياك نحو ذلك فستعطي بلا مَلَل ولا كَسَل ولا يأس. تلك الأمور التي تصعب عليك لن تقف عائقًا أمامك، يراك الجميع ثابتًا مستمرًّا كأنك تمشي في طريق وحدك. والسبب هو في رؤيتك الخاصّة التي بدأت تُرشدك.
كيف؟
نغفل أن نسأل أنفسنا مرارًا لما اخترنا هذه الوظيفة؟ وغالبًا لا نجد إجابة لأن الحاجَة، التخصّص، العائلة أِشياء تُجبرنا على الاختيار سريعًا والمُضيّ قُدمًا دُونما أخْذ فِكرة إلى أين نتّجه. عندها نواجِه صعابًا جَمّة، فجأة نحن لا نعي جيدًا كيف نُظهر أنفسنا كما هي وعلى حقيقتها من مهارات وقدرات ورؤى وأفكار؟ وقد نكتشف خلال العمل أن التخصص بأكمله ليس مسارنا الصحيح؟ وأن المهارات المتطلبة في العمل ليست لدينا؟ والأسوأ أن تكون بيئة العمل ليست بحاجة لوجودنا.
تعالَ معي في رحلة النِّيّة والعمل، كيف توظف أفكارك وغاياتك وتصنع البيئة التي تناسبك في الواقع. اسأل نفسك قبل ذلك: لما اخترت أن تكون طبيبًا؟ مهندسًا؟ سكرتارية؟ كاتبًا؟ مُعلمًا …. كَمِ الراحة التي تشعر بها وأنت تؤدي مهام عملك؟ ما الشيء الجديد الذي تعلمته خلال آخر سنة في عملك؟ ما تقييمك لمستوى علاقاتك مع زملاء العمل؟ ثم اجمع تصوراتك وأجوبتك تلك واحملها معي لنهاية المقال.
تُعرّف النّية بأنها العَزم والقَصد على فِعل شيء، وعلى أثر ذلك فلو لم تمتلك العزيمة على العمل الذي تؤديه لا داعي في استمرارك فيه؛ إذ نحن نتاج نوايانا، وما يجعل الجُهد يذهب هباءً إلا التذَبْذُبُ في المقصد.
لذا اعزم على العمل
ومكان النوايا القلب ولا شيء يصاحب القلب كالحب الذي يُحوّل مشاقّ العمل وطريقه إلى تياسير وتباشير، يستمتع الذي يحب عمله بتلك الصعوبات التي يواجهها بكل أنواعها، تراه مَهما قيل فيه وعنه مواصِلٌ ومثابِر يَعرف ما تهواه أَعْينه وما تعشقه أنامِله وكلّ الهوى لديه ساكِن في عمله.
لذا أَحِبَّ عملك
وصديق الحُب الشَّغَف، فبعد المَحبة تساؤلات وشَغف تُجاه ما تعمله، كيف يُعمل؟ وما الطريقة المثلى لتأديته؟ وكيف أَصِل لأبعد غاية فيه؟ وغيره من شكوك الشَّغُوفين، وللشَّغف لَذّة حيث يطوي بُعْد المعلومة ويروي عطَش الجاهل ويُعطي مساحة لاكتشاف ذواتنا ويُهيؤنا الشغَف لاكتشاف أخطائنا بأنفسنا وتقويمها ومحاسبتها، وتجد ذاتك تُوجِّهك نحو المراد والغاية باستمرار، لذا تخيل أنّ ما تخرج به من العمل في شيء لك شغف فيه هو ضِعْف ما ستخرج به من أيّ عمل آخر.
فستتعلم كيف تُبدع في الأعمال وكيف تظهر مواهبك فيها وكيف تُنتج عملًا يُشبهك، فلا تكرار ولا تقليد بل تطور وتجديد.
لذا ابحث عما تمتلك شغفًا فيه.
والنتيجة من كل هذا تجارِب ثَرِيّة تزيدنا ثِقة بأنفسنا، وتوضح المراد أكثر، وتزيدنا معرفة بذَواتنا، فلا وصول للمَقصد والحب والشغَف إلا بخوض العديــــــــــد من التجارِب بتجرِبة الصعود والهبوط وتجرِبة الوقوف أحيانًا واللِّحاق سريعًا بالركْب، وتغيير الخُطط وتبديل القرارات، والمَلَل أحيانًا والتفكير العميق، واليأس أحيانًا والفأل الطويل، وذَمّ نسمعه ومَدْح نتلقاه، ثم مستوى رائع وثابت من الإنجاز والتفوق والرضا التامّ عما نؤديه وفهم لآلية العمل وأداء المهام. ثمّ سنتساءل كيف وصلنا إلى مستوى كهذا؟ وسنتساءل هل كنّا نمتلك كلّ هذه المهارات والمواهب والقدرات؟ هل كنّا غير مُدركين وبحاجَة إلى فُرصة عمل فقط.
إنها قوة النية والحُب والشغَف
وبعدها ستسكننا القَناعة بما نحن فيه وإنجازات تتوالى، تعريف النجاح يُصبح هو أن تلقى عملًا ترى فيه ذاتك، لا تُكِلُّك مهامُّه ولا تُحبطك مهاراته ولا يَجعلك ترى نفسك بشكلٍ بائس. عندها ستصبح موظفًا وعاملًا حقيقيًّا.
ولْتعلَمْ، ليس هناك مرحلة يَصلها أحدهم فيستريح، فكلّ الحياة في السعي وعليك أن تستمرّ ويُقال دائمًا إن الاستمرار في عمل شيء أصعب بكثير من الإِقْدام، تلك الطاقة التي استجمعْتَها لتدخُل في أمر ما، ما يتطلبه الاستمرار أكثر بكثير من ذلك، لهذا لا بأس من المَلَل الذي قد ينتابك أحيانًا، لا عليك من العوائق التي ستصادفك، لا تهتمّ اعْلَمْ فقط أنك تمرّ بمرحلة بحاجَة إلى جُهد وصَبر بعض الشيء، وتيقَّنْ أنك اجتزتَ الكثير والمتبقي قليلٌ جدًّا، قد يستحق أن تُثابِر من أجله.