Loading Offers..
100 100 100

بين هدر الإنسان وقهره كيف يفهم الإنسان نفسه 

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

يحدثنا دكتور مصطفى حجازي في كتابه "الإنسان المهدور" عن الهَدْرِ بأشكاله المختلفة، وكيف يتحول الإنسان -مع الوقت- إلى كائن هَشٍّ، يسهل كسره واستخدامه! حيث يتفاوت الهَدْر في الشدة ما بين: هَدْر الدم عن طريق نزع صفة الإنسانية عن الآخر، وبالتالي سهولة قتله وإباحة دمه، دون أدنى شعور بالذنب أو الخجل، وما بين القبول المشروط للآخر (أنا أقبلك ما دمت كما أريد أنا، ليس كما ترغب أنت أن تكون) وبالتالي طمس أي محاولة للاستقلال وبناء المرجعية الذاتية .إلى حالة مستمرة من هَدْر طاقة الشباب، وتهميشهم وعزلهم عن دائرة صنع القرار، وإثبات فعَالِيَّتهم، بل إغراقهم في موادّ لا حصر لها من التسلية البصرية، وحقنهم بالأوهام لتحقيق المُتَع اللَّحْظِية لجعل الحياة قابلة للاحتمال، ومن الفشل في بناء الذات إلى الفشل في العلاقات الزوجية، الذي يبدأ من الإحساس بأنه ليس في المكان الصحيح، قد يكون نتيجة لانتقاص الآخر منه، وبالتالي لا يرى ذاته ولا تتحقق رغباته كما توقع أو قبوله بشكل مشروط، أي يعلن خضوعه للآخر بشكلٍ كاملٍ لتحقيقِ مخططاتِ وإملاءات الطرف الآخر.وقد يستسلم أحد الاطراف لذلك النوع من الهدر، ولكن يقابله افتعال أزمات وخصومات تصل لحَدّ إرهاق الطرفين -ماديا ومعنويا- وبرغم أن الصراع مكوِّن أساسي في أي علاقة إنسانية لها طابع الاستمرار إلا أنه بتراكم الخصومات وتجاهل مراحل الحياة المختلفة ومتطلباتها، يسقط أحد الأطراف أو كلاهما في حالة من الصراع الذاتي أو الصراع مع الآخر.وبتنوّع حالات الهَدْرِ المختلفة التي تمارس على الإنسان، فيدفع إلى الانزواء والنكوص (أي الالتزام بسلوكٍ سابقٍ كان يحقق له الأمان) حتى يصل لمستوى تلبية احتياجاته الأساسية بهدف الحفاظ على حياته أمام خطر نبذه أو اقصائه عن حقوقه وحرمانه من الحماية، وفقدانه للأمان والمحبة. وهنا يفقد الإنسان ذاته ويصل بالتدريج إلى حالة من الانكسار الكياني، تنهار معها حدوده الأخلاقية وحرمته ويصبح في حالة من الخضوع وانعدام القيمة تجعله مباحًا للانقياد مما يجعل حياته أشبه بخواء لا معنى لها .

القهر حالة أخفّ وطْئًا من الهَدْر

يخبرنا دكتور حجازي أنَّ القهر حالة أخفّ وطْئًا من الهَدْر، حيث في القهر تظلّ محتفظًا بذاتك الداخلية ويمكن أن تعترض أو تثور، إنما الهَدْرُ يتخذ طابع الظلم وعدم الإنصاف فالأمر أشبه بسحب قيمتك وكيانك لتكن مجرد أداة في يد الآخر يتحكم بك كيفما شاء .وباستمرارية ممارسة الهَدْر علي الآخرين، يجعل الإنسان يسلك مساراتٍ مختلفة، ما بين شَنّ حرب داخلية على ذاته تتراوح ما بين جلدها والرغبة بتدميرها، إلى الاكتئاب أو الاستسلام إلى التعصب للطائفة التابع لها وخلق شحنة عدوانية قابلة لأن تتحول لصراعات دامية تخلق لدى الفرد حالة من السامية (العِرْق/العقيدة النقية) والأفضلية على الآخر وكل ما دُونَه هو، يصبح شَرًّا لا بشريًّا، له الحق أن ينتهك حرمته ويستبيح دمه دون الشعور بالإثم، بل في بعض الأحيان يبرر فعل القتل بأنه للقرب من الله أو أنها رسالة نبيلة تقرّبه من الفردوس. وهنا يتحرر من كل الضوابط الإنسانية والشعور بالذنب إلى الشعور بالانتشاء بقتل الآخر المتمثل في الشرّ الكامل .ويري فرانسوا لوجاندو أن حالة الهَدْر تلك متعلقة بمدى تحكّم الدين والدولة في عقلية الأفراد، فيقول: فكما أن القدسي يمارس قمعًا على التصور الخيالي ويضمن الامتثال لنظام معين، كذلك يظهر ما هو سياسي بمظهر القدسية ذاتها حتى إن المساس بسلطة الدولة يُعَدّ كفرًا، وهنا يعلق ممدوح عدوان بأن الدولة عندما تتظاهر بالتشدد الديني لا يعني أنها تعتمد عليه بوصفه قوة تنظيمية للمجتمع ولكن لتستفيد من قوته الزجرية .ويضيف حجازي: إن المستبد لا يرى الناس إلا كأدوات أو عبئًا زائدًا لا لزوم له، وبالتالي لا اعتراف بحقوقهم وكيانهم، ولا حَلّ معهم سوى الإقصاء والإهمال. وتركهم لمصيرهم وحرمانهم من فُرَصٍ قد تضفي على حياتهم معنى واعتبارًا.[قراءة في كتاب “مشكلة الثقافة” لمالك بن نبي]

حين يصبح الوجود مفرغًا وثقيلً

تبعا لهرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية، يكون تحقيق الذات على قمة الهرم ليتوفر للإنسان الشعور بالامتلاء، ولكن مع صعوبة الوصول إلى الاحتياجات الأساسية من تحقيق الأمان وحاجاته الفسيولوجية، يصبح الوجود مفرغًا وثقيلًا، وتصبح الحياة عبارة عن سلسلة من اجترار الخيبات بشكلٍ غير محتملٍ، حتى يصل الأمر لنوع من الاكتئاب الوجودي المتمثل في غضبٍ على الذات والحَطّ من قِيمتها وتدميرها، فمَن يثور لا يكتئب، ومن يكتئب لا يثور، وكلما زاد الغضب المكبوت زاد كُرْهُ الذات والرغبة في تحطيمها، حيث يقول فرويد: (الاكتئاب هو عدوانية مرتدة على الذات).يكمل حجازي ويخبرنا أن الإنسان المهدور يهرب من مواجهة المشاعر والانفعالات التي يولِّدها الحاضر، حتَّى لا يعيش حالة من الذعر المتواصل نتيجة ذلك الخواء، وبالتالي لا يستطيع الإنسان الاستمرار على نفس الوتيرة، فإما ينفجر ويعبر عن غضبه بشكل عنيف أو يقدم على الانتحار كفعل يعكس ذعره في تحمل واقعه، وبالتالي لا تنمية ممكنة إلا عن طريق القبول غير المشروط للآخر، وتوسيع خياراته ومنحه مصيره بالكامل، مما يجعل لحياته قيمة يستطيع مواصلة العيش من خلالها.

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..