Loading Offers..
100 100 100

سافر إلى بلدان العالم على طبق من فتّة

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

من المفارقات الغريبة أن المكتبة العربية تفتقر إلى الكثير من كتب الرحلات والأسفار، على الرغم من اشتهار العرب منذ قديم الأزل بالسفر والترحال، كما تفتقر كذلك إلى الكتب التي تتحدث عن وصفات الطبخ الشهية بالرغم من ابتداع العرب لكثير من الأطباق والأصناف التى غزت العالم قديمًا وحديثًا. قد يتساءل البعض منكم: ما علاقة السفر والترحال بأصناف الأكل والطعام؟ كان هذا السؤال هو أول ما خطر ببالي وأنا أطالع الكتاب العجيب: "عجائب الأسفار وغرائب الأطباق" للصحفي المصري الساخر عباس الطرابيلي، خاصةً بعد أن ذيّل الطرابيلي على عنوان الكتاب بجملة "من أدب الرحلات والأكلات". ويعد الكتاب من العجائب حقًا، يعرض فيه الكاتب بأسلوبه الساخر سفراته ورحلاته إلى أغلب مدن وعواصم العالم، ولكن من خلال أطباق الفتة والحنيذ واللحم المقلقل وما يتعلق بها من طرائف ونوادر، ومن وجهة نظر الطرابيلي فإن الرحالة والمسافرون قد غفلوا في كتاباتهم عن أهم المعالم المميزة لثقافات وأمعاء وبطون الشعوب والدول التي زاروها، ألا وهي: الأكلات والأطباق التي يشتهرون بها. يطبّق الطرابيلي مبدأ المرأة المصرية في التعامل مع زوجها باتخاذ أقرب طريق إلى القلب ألا وهو المعدة بلا شك، وبصرف النظر عن منطقية هذا المثل المصري الشهير، لأن الوصول إلى القلب عن طريق المعدة هو أشبه بالوصول إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح والدوران حول الكرة الأرضية بأكملها، إلا أن الكاتب طبّق هذا المثل بصورةٍ مختلفةٍ تمامًا، حيث اتخذ من التعرّف على الأطباق التي يأكلها الشعوب كطريق للوصول إلى قلب تلك الشعوب والتعرف عليها وعلى أسرارها.

العادات الغذائية للشعوب:

"قل لي ماذا تأكل، أقول لك من أنت، وإلى أي شعبٍ تنتمي!!" بتلك المقولة الساخرة استفتح الطرابيلي المائدة، أعني الفصل الأول من الكتاب والذي يتحدث فيه عن عادات الشعوب الغذائية.
ويقسّم الشعوب من ناحية الغذاء إلى خمسة أقسام:
شعوب خبزية:
وهي الشعوب التي تقدس أكل الخبز وتكثر من تناوله، مثل: ألمانيا وإيطاليا وتركيا..
شعوب سمكية:
وهي الشعوب التي تعيش على ما يستخرجونه من البحار والمحيطات والبحيرات والأنهار، ويأتي في مقدمة تلك الشعوب، دول شمال غرب أوروبا مثل السويد والنرويج وهولندا وإنجلترا وأسبانيا بالإضافة إلى اليابان والصين، وذلك نظرًا لوقوعها على سواحل بحرية وامتلاكها لأساطيل الصيد العملاقة.
شعوب أرزية:
وهي الشعوب التي تعتبر الأرز وجبة أساسية، وخاصةً التي تعيش على دالات الأنهار، حيث وفرة المياه والأرض الزراعية المنبسطة. ومن تلك الدول: مصر وإيطاليا والصين وتايلاند وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا واليابان.
شعوب لحمية:
وهي التي تكثر من تناول اللحوم، وتكون في العادة شعوب غنية بالمراعي الخصبة لتربية الأبقار أو الأغنام مثل نيوزيلاندا والأرجنتين؛ أو تلك التي تعتمد على المراعي الموسمية مثل شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا؛ أو الشعوب الرعوية مثل دول القرن الأفريقي حيث الصومال وجيبوتي والسودان وأثيوبيا وغيرها.
شعوب الوجبات الجاهزة والسريعة:
أو "وجبات الشوارع" كما يطلق عليها البعض. وبالرغم من أن الإعلام أوحى للكثير من الناس في وطننا العربي بأن الولايات المتحدة الأمريكية هم ملوك الوجبات السريعة، إلا أن المفاجأة الكبرى أن مصر العربية تأتي في مقدمة الدول التي تعتمد على الوجبات السريعة. فلا تكاد تطأ أقدامك أحد شوارع المحروسة إلا وتجد عربة الفول الشهيرة في الصباح أو عربة الكبدة والكشري والكفتة وحمّص الشام في المساء. وعلى كل حال، فإن شعبنا المصري العظيم معروف بحبه الشديد لتجربة كل جديد في عالم الأطعمة والمأكولات. كما أن عدد السكان في مصر والذي يوازي ثلث سكان الوطن العربى تقريبًا، قادر على  استيعاب كل مطابخ العالم الفسيح، فنجد في شوارع مصر المطاعم السورية والإيطالية والصينية والمكسيكية وغير ذلك الكثير. حتى أن أحدهم أوحى إليّ يومًا بفكرة عمل مطعم غير تقليدي تقدم فيه أطباق ووصفات لأكلات قديمة لقبائل عربية في العصور الجاهلية، ثم نطلق عليه اسم "موائد قريش" وهو الأمر الذي يقودنا إلى الفصل الثاني من هذا الكتاب الدسم "المسبك".

أكلات مصرية وعربية:

  • بالنسبة لمصر ودول الخليج العربي: فهناك الكثير من الأكلات المشتركة مثل: الأرز بالسمك، والأسماك المملحة مثل الفسيخ والسردين وغير ذلك.
  • أما بالنسبة للمطبخ اللبناني: فهو يجمع بين أصالة المطبخ التركي ورقة وتنوع المطبخ الفرنسي. ويعتمد على المشويات والأسماك الطازجة وصنع اللحوم الجاهزة مثل البسطرمة واللانشون واللحوم المثلجة من الدجاج والرومي بالإضافة إلى السلطات المميزة وعلى رأسها "التبولة" الشهيرة. كما أن المطبخ اللبناني لا يهتم كثيرًا بالأرز مثل المطبخ البدوي أو الخليجي أو السوري.
  • المطبخ البدوي والسوري: مطبخان متشابهان حيث يعتمدان على لحوم الضأن بصورةٍ أساسية، وهذا على عكس المطبخ اللبناني الذي يتميز بالتنوع والانفتاح، فأما أشهر الأطباق السورية والبدوية فهي "المكبوسة" المصنوعة من الأرز وقطع الباذنجان وكتل لحم الضأن الدسم؛ بالإضافة إلى طبق الأرز بالخلطة الشهير، ولا ننسى الحلويات الشامية اللذيذة والتي غزت كل بقاع الأرض وفي مقدمتها مصر وبالتحديد مدينة السادس من أكتوبر حيث تنتشر محلات صناعة الحلويات السورية الأصيلة من بقلاوة وكنافة بأنواعها وبغاشة ولقمة القاضي وبلح الشام وعيش السراية.
  • ومن المطبخ السوري ننتقل إلى المطبخ التركي والمطبخ العراقي: ولا عجب إن وجدنا أن هناك تقاربًا كبيرًا بين المطبخين، حيث أن النشأة الحقيقية للأتراك كانت في آسيا الصغرى أو شبه جزيرة الأناضول حيث تكثر الأغنام والماعز، وهذا هو سر انتشار هذا النوع من اللحم في الأطباق التركية، كما يعرف الأتراك المحشي بأنواعه وأطباق "الترولي" أي الخضار المشكل، والأصل في هذا الطبق أن تجمع السيدة التركية بقايا الخضار في مطبخها لتصنع منه طبق مشكل من الخضار تتوسطه كتلة لحم من الضأن والماعز، وهذا يشبه إلى حد كبير طبق "البقية" الأسباني الشهير والذي سنتحدث عنه فيما بعد في مقالة منفصلة.
  • ثم يتحدث الطرابيلي عن أشهر الأكلات العراقية: "السمك المسجوف" و"السمّان المشوي" و"المن والسلوى" وهما نوعان من الحلوى التي برع فيها العراقيون.
  • ثم إلى المغرب: حيث وجدنا التنوع الكبير في المأكولات البحرية بكافة أشكالها وألوانها، وعلى رأسها جمبري البحر المتوسط والجاندوفلي وأم الخلول والكابوريا. ثم نعود سريعًا إلى مصر حيث الكشري ولحمة الراس وقصة كفاح طويلة من أجل صناعة الكرش الأصيل وتأسيسه على قاعدة عريضة من الدهون والسمن البلدي تجعل من المصريين أكثر شعوب الدول العربية تخمة، وإن كان هذا الأمر ليس دقيقًا على نحوٍ كبير، لأن الزيادة السكانية الرهيبة وعدد السكان المتضاعف سيجعلها في المقدمة دائمًا: الأولى في أعلى مستوى للكوليسترول، الأولى في التخمة وانتشار الكرش، الأولى من حيث التنوع الغذائي والأطعمة.. إلخ
ويختم الطرابيلي حديثه في هذا الفصل عن أصل الفسيخ المصري الذى ورد ذكره في العديد من البرديات الفرعونية، مما يجعل تلك الأكلة واحدة من أقدم الأكلات في مصر وربما في العالم العربي كله، ويرتبط الفسيخ المصري ارتباطًا وثيقًا بأوراق الخس والبصل الأخضر والملانة (أي الحمّص الأخضر قبل تمام نضجه). ثم إن المصري الفصيح ينصح بعدم شرب الماء مباشرة بعد تناول الفسيخ، لأن شرب الماء سيدفعه إلى شربه مرات ومرات، كما أن الماء لا يخفف من تركيز الملح في الطعام ولكن يخفف من العصارة الهضمية بالمعدة وبالتالي تطول عملية الهضم ويصاب الإنسان بالتلبك المعوي والاضطرابات المعوية، وخير ما يشرب في تلك الظروف -من وجهة نظر الفيلسوف المصري الأكيل- هو شرب الشاي الساخن بالنعناع. لأن الشاي الساخن ينشط المعدة وينشط عملية إفراز العصارة الهضمية، كما أن النعناع يهدئ المعدة ويرطب جدارها. وبالرغم من ارتباط المصري بالفسيخ ارتباطًا تاريخيًا وثقافيًا ومعويًا وباطنيًا، إلا أن هذا الارتباط يشكّل خطورة كبيرة على الصحة العامة نظرًا لتركيز الملح الذي يضر بالكلى والمفاصل والقلب وضغط الدم، ولكن المصري سيظل يأكل الفسيخ مهما قلنا، لأن سلوكيات الشعوب الغذائية بصفة عامة لا يمكن تغييرها بسهولة. أما عن بقية الرحلات المطبخية لعباس الطرابيلي، فنُفرد لها مقالاً آخر في القريب العاجل إن شاء الله.

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..