Loading Offers..
100 100 100

على شاطئ الطنطاوي 

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

أوووه يحي حقي… أين كنت، ولماذا اختفيت؟!

هكذا كتب الناقد الأدبي الكبير سيد قطب معلقاً على إحدى روايات الكاتب المصري الكبير (يحي حقي) وسيد قطب هذا هو ذاته الذي يكاد يعرفه الجميع، وقد كان ناقداً أدبياً من الطراز الرفيع جداً، قبل أن يتحول إلى ما اشتهر به بعد ذلك.

(أوووه علي الطنطاوي، أين كنت ولماذا اختفيت؟) هكذا قلت أنا بلسان الحال عندما اطلعت على أول كتاب، بل ربما أول مقالةٍ من كتاب الشيخ علي الطنطاوي المسمى (صور وخواطر)

إنه أديب الفقهاء، وفَقِيه الأدباء، إنه الشيخ علي الطنطاوي، وما أدراك ما علي الطنطاوي؟ يكفيك عنه فقط أن تعلم أنه قد قيل فيه “إن من يدخل عالم القراءة من باب الطنطاوي، فلن يخرج منه أبداً” وأكاد أن أراهن على صحة هذه العبارة.

فلماذا يا ترى قيل عنه ذلك؟ وما الذي ميّزه عن غيره؟

وأنا أحاول الإجابة على هذا السؤال، وقد قرأت تقريباً كل مؤلفات الشيخ، أعتقد أن الإجابة عن ماهية الأسباب التي أدت إلى تميزه تكاد تكمن في ثلاث نقاطٍ رئيسية أثرت على إنتاج الشيخ وتفاعلات نصوصه في وجدان المتلقي.

العامل الأول: اللغة والأسلوب

في عالم كرة القدم قد تعرف لاعباً يكاد الجميع يجمع على تميزه، لكن عندما تأتي لتنظر إلى تفاصيل ما يقدمه داخل الملعب تجد أنه يقوم بأشياء تبدو سهلة للحد الذي يجعلك تعتقد أنك من الممكن أن تفعل أفضل منها، لكن عندما تجرب أن تقلده وتفعلها أثناء تمرنك مع رفاق الحي تجد أن الأمر أصعب مما توقعت.

إنه أسلوب (السهل الممتنع) وكذلك قلم الطنطاوي سهلٌ ينساب كالماء الصافي على الظمأ، يرتوي منه العالِم الذي شق في العلم باعاً طويلاً، وذاك الذي لا يقرأ إلا متصفحاً في وقت فراغه، يجد الكل فيه لذة وفائدة، ويعجز عن الإتيان بمثله أساطير الأدب وقادة النقد، وإني لأحسب أن مثل هذا الأسلوب السهل الممتنع هو موهبة زائدة على الموهبة الأساسية (الكتابة) وتنمية هذه الموهبة يكون بالتدريب والاستمرار. و قد استطاع الشيخ الطنطاوي الوصول إلى ذروة السهل الممتنع من خلال ممارسته للكتابة لنحو نصف قرنٍ أو يزيد.

ثم إن المتأمل لما كتب الشيخ سيلحظ كثرة ضربه للأمثلة، وهو أحد الأساليب المتميزة في إيصال المعلومة، وقد تميز به العرب في جاهليتهم ثم جاء الإسلام فكان من بيان القرآن ضرب الأمثلة لتقريب المعاني للأذهان، لكن خطورة هذا الأسلوب (ضرب الأمثلة) تكمن في صعوبة القدرة على إيصال المعلومة المرادة في أوجز صورة دون إخلالٍ بالقصور عن المعنى المراد أو تجاوزه إلى ما هو أبعد منه مما لا يراد. لكن الطنطاوي كان دائماً مبدعاً في تصويره للأمثلة ، التي لا ينفع هنا ذكر مثال عليها لأنك إن سبق وقرأت للشيخ فقد لاحظتها لكثرتها، وإن فاتك أن تقرأ له فلن تعرف حلو مذاقها إلا في سياقها الذي أوردها فيه.

العامل الثاني: الفِقه والتأصيل الشرعي

فهو كما قلنا: أديب الفقهاء وفَقِيه الأدباء.

وكيف لا يكون كذلك وقد وُلد رحمه الله في بيت علمٍ وتربى في بيئةٍ تعج بالعلماء، وقد تأثر رحمه الله بهذه البيئة أشد الأثر الذي سنلحظه في الكثير مما كتب، وقد تتلمذ على عددٍ من المشايخ في الشام، لكن أكثر من أثّر عليه ممن تتلمذ على يديه هو خاله العالم السلفي (محب الدين الخطيب) وقد تأثر به الشيخ كثيراً حتى إنك لتلحظ ذلك في ثنايا مؤلفاته بشكلٍ عام وفتاواه بشكلٍ خاص.

إذ تأثر بالنهج السلفي الذي كان عليه خاله (محب الدين) رغم ولادته ونشأته في بيئةٍ صوفية ما زالت بقاياها تظهر في رفق الخطاب ولين الجانب. هذا التكييف المتأصل في العلوم الإسلامية من مدارس مختلفة بالإضافة لإلمامه بالكثير من كتب الأدب والتواريخ أورثه القدرة على تشريح النصوص والمقدرة على معرفة مكامن العيوب، ولعل أظهر مثالٍ على ذلك هو نقده الكبير وفي أكثر من موضعٍ لكتاب (الأغاني للأصفهاني) رغم امتداحه له ككتابٍ في الأدب إلا أنه كان يعقب على أخباره بالنقد والتجريح من وجهة نظرٍ تاريخية وشرعية.

العامل الثالث: الإطناب لا الإسهاب

فالإطناب هو كثرة الكلام وإطالته لتعظيم الفائدة، أما الإسهاب فهو كثرة الكلام بلا فائدة مرجوة. فالأول محمود والثاني مذموم.

ولا بد لمن قرأ الشيخ أو شاهده أو استمع إليه أنه قد لاحظ كثرة خروجه عن صلب الموضوع إلى مواضيع أخرى، لكن الفائدة في إطنابه رحمه الله تكون أحياناً أعظم منفعة مما انصرف عنه، وأكثر مثال ستجده من هذا النوع في جميع إنتاجه ربما هو نكته البلاغية وتصحيحاته النحوية والإملائية التي تعج بها مقالاته وتزخر بها لقاءاته، والإطناب من أبرز أساليبه رحمه الله وقد عنيت أن أجعله عاملاً منفرداً عن العامل الأول (اللغة والأسلوب) للفت النظر إليه أولاً وللتفريق بينه وبين الإسهاب عند من يرميه بذلك الداء.

وبعد؛ فإن التتلمذ على إنتاج الطنطاوي يعد نعمةً مجمع على فضلها من العامة والمتخصصين على حدٍ سواء. 

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..