لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
ما سأكتبه في هذا المقال هو ما رأيته من خلال انتقالي من بلدٍ لآخر وكيف هي تفاصيل يوم الجمعة في البلاد. ما يحدث في هذا اليوم المميز من أحداث وتفاصيل لا تحدث في كل الأيام، يوم له نكهته الخاصة، منحنا الله إياه كعيدٍ يجتمع فيه المسلمون في صلاة الجمعة، ينصتون لإمامٍ واحد يخطب خطبته الأسبوعية، تبدأ الاستعدادات لتلك السعادة الروحية ليلة الجمعة، يتهيأ الجميع للاجتماعات العائلية المفعمة بالحياة. إنها الفرصة للملمة ما تبعثر من علاقات خلال الأسبوع بسبب الانشغالات وضغوطات العمل. هناك حيث التقاء الأجساد والأرواح وحط الرحال للتزود بما تحتاجه عجلة الحياة من زاد معنوي.
في البيوت يتسابق الجمبع لإنهاء سورة الكهف ليحظى المتسابقون بالنور بين الجمعتين وقد تشغل السورة مسجلة بصوتٍ شجي من أحد قرّاء القرآن الكريم فتسري السكينة في الأرجاء، الذكر وقراءة القرآن والدعاء طيلة اليوم رزق ساقه الله إلينا في يوم الجمعة، كم نحن محظوظون تأتينا الأرزاق من حيث لا نحتسب.
في ذلك اليوم الدافئ تنبعث الروائح الشهية من تلك الزاوية في البيت، قد أعدت الأم طعام الغداء بحبٍ واهتمام. فاليوم هو عيدنا الأسبوعي. وماذا عن باقي أفراد العائلة؟ إنهم يستعدون للذهاب لصلاة الجمعة، رائحة البخور والعطور تملأ البيت الهادئ فتبعث الحياة في عروقه فتنعشه وتملأه حيوية. ولن ننسى إنجاز الفتيات في تجهيز المكان لاستقبال الضيوف. إنهن كالنحلات ينتقلن من زهرةٍ إلى أخرى برشاقةٍ وخفة.
يالجمال تلك المعاني في ذلك اليوم العظيم، تتجدد الحياة أسبوعياً وتمنحنا ما تحتاجه نفوسنا من استقرارٍ وسكينة وسلام. هناك الكثير من العائلات خصوصاً الممتدة قد حافظت على تلك العادات في يوم الجمعة إلى يومنا هذا، فمازالت تجتمع ومازال الاستعداد لصلاة الجمعة يعكس جمال ذلك اليوم وفرحة المسلمين الغامرة به. إنني أؤمن أن يوم الجمعة بشعائره الروحية من الحوافز التي تعطي المرء دافعاً إلى الأمام وأملاً في الاستمرار في الإنجاز. يوم أسبوعي كامل تتعدد فيه الفرص الذهبية من صلاة ودعاء وقراءة القرآن لتوطيد علاقة المرء بنفسه وبالآخرين وإزالة شوائب الحياة.
هل هذه المشاعر في كل بلاد المسلمين؟
عندما سكنت ماليزيا وبعدها تركيا ذلكما البلدين الطيبين الجميلين فقدت تلك المعاني ليوم الجمعة لا لأنه لا تقام فيهما صلاة الجمعة، بل تقام كما البلدان العربية تمامًا، لكن الفرق أن يوم الجمعة لا يعتبر يوم إجازة رسمية وبالتالي لا نشعر بكل تلك الاستعدادات البراقة لذلك اليوم. بل البعض ينسى أنه يوم الجمعة مع انهماكه في العمل. هناك يوم جمعة لكنه يفتقد لتلك الروح التي تسري في جنباته. يمر سريعاً لا فرق بينه وبين باقي الأيام. وهذا الأمر قد يؤثر على أفراد المجتمع وخصوصاً العائلة العاملة التي هي في أمس الحاجة لروحانيات تخرجها من إطار العمل والضغوطات فيما يدفع النفس الى الأمام بل قد ترتفع نسبة الحماس للإنجاز.
يشعر بنعمة الجمعة من عاش الحالتين وذاق حلاوة اليوم. واستشعر أهمية أن يكون يوماً خالياً من العمل الوظيفي. عَن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَكَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: فِيه سَاعَةٌ لا يُوَافِقها عَبْدٌ مُسلِمٌ، وَهُو قَائِمٌ يُصَلِّي يسأَلُ اللَّه شَيْئًا، إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاه وَأَشَارَ بِيدِهِ يُقَلِّلُهَا، متفقٌ عليه. حتى تلك الساعة التي تكلم عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث قد نغفل عنها مع الاستغراق في أعمالنا الوظيفية فتتسرب من بين أيدينا فرصة نفوسنا أولى بها ولا ننتبه إلا قبل آذان المغرب بدقائق.
ما أتمناه حقاً أن تعمم الإجازة في يوم الجمعة في كل بلاد المسلمين ولو من باب التجربة وأنا على يقين أن ستكون تجربة ناجحة ويتم تثبيتها. فطعم ذلك اليوم تنشرح له الصدور وتتعلق في النفس جماليات الدقائق والساعات، إنه صورة مصغرة للعيد تحدث كل أسبوع. عيد أسبوعي له فرحته الخاصة قد يغفل عنها البعض. فبدل أن تكون الإجازة السبت والأحد تصبح الجمعة والسبت. ليعود إلينا الشعور بنفحات يوم الجمعة ونسماته العليلة الرقيقة فنحن بحاحة ماسة إليها.