لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
لكلٍ منا حياته العلمية والعملية المليئة بلحظات نجاح وفخر وسعادة غامرة ولحظات أخرى يتوقف بك فيها الزمن من شدة اليأس والإحباط اللذان يملآن قلبك. ما بين اليأس والنجاح تتلخص حياة الكثيرين منهم من استطاع التعلم من تجاربه وتحويل فشله إلى نجاح والجزء الآخر استسلم لليأس والفشل وتحولت حياته وانقلبت رأسًا على عقب.
في هذا المقال سوف أسرد لكم من واقع تجربتي العلمية والعملية التي بدأت منذ المرحلة الابتدائية، عندما كنت طفلة صغيرة سرعان ما شعرت بالمسئولية تجاه أبي وأمي اللذان عاش حياة الشقاء والكفاح من أجلي أنا وأخوتي. حينما كنت أنظر إلى وجهه منذ طفولتي كانت تتردد في خاطري كلمات ينطقها قلبي لعقلي وأخرى ينطقها عقلي لقلبي، ولكن لساني لم يشاركهم هذا الحديث
فيقول قلبي لعقلي هيا كافح وذاكر هيا إلى التفوق من أجل إسعاد هذا الرجل الذي يملأ وجهه علامات الشقاء من العمل المستمر ليلًا نهارًا حتى يحصل على قوت يومه من أجلنا، فيجيب عقلي في الحال ويدفعني فأهرع إلى مسك كتابي والبدء في المذاكرة مراراً وتكراراً قائلة لا تخف يا أبي فسوف أسعد قلبك يومًا ما وأجعلك تفخر بي وأعوض لك كل هذا الشقاء.
المرحلة الابتدائية
كانت أول مراحل شعوري بالمسئولية حيث كان كل زملائي لا يعتمدون على المدرسة ويأخدون الدروس الخصوصية، ولكني امتنعت عن هذا منعًا باتًا حتى لا أكلف أبي فوق طاقته وكنت أعتمد على نفسي في المذاكرة، كنت مجتهدة للغاية وكانت أسعد لحظات حياتي عندما كانت مديرة المدرسة تنادي اسمي من ضمن أوائل المدرسة، حينها فقط كنت أشعر أني بدأت أن أفعل شيئًا ولو بسيطًا لرسم البسمة على وجه أمي وأبي. مرت المرحلة الابتدائية بتفوق وأنا في غاية سعادتي وإصراري على إكمال ما بدأت.
المرحلة الإعدادية
أكملت على نفس النهج بالاعتماد على النفس دون اللجوء لأي شيءٍ آخر سوى المدرسة وكتبي والمذاكرة بجهد، فكيف أطلب من أبي مصاريف إضافية وقد كنت أخجل أن أطلب منه حتى مصروف شخصي لي. انتهت بحمد لله المرحلة الإعدادية بتفوق وانتقلت إلى المدرسة الثانوية.
المرحلة الثانوية
لطالما حلمت بأن أصبح طبيبة طوال مراحلي الدراسية السابقة وجاءت الثانوية العامة وحان الوقت لتحقيق هذا الحلم ولكن سرعان ما انهار حلمي أمامي وفقدت النطق لمدة شهرٍ كامل حين حصلت على مجموعٍ ضئيل في الثانوية العامة وكان لا بد أن أدرس في القسم الأدبي بدلًا من العلمي. في هذا الوقت فقدت كل الأمل في أن أحقق أي شيء ولكن سرعان ما استفقت ولجأت إلى الله لمساندتي داعيةً إياه بأن لا يجعلني سببًا في خيبة أمل أمي وأبي.
لذا في السنة الأخيرة من الثانوية العامة فعلت كل ما في وسعي بأن أحصل على درجات عالية حتى يكون لي مستقبل في إحدى الكليات رفيعة المستوى، وبالفعل استطعت أن أحقق هذا وانضممت على مضض إلى كلية الألسن لأنها لم تكن حلمي أبدًا وشعرت بأني انضممت إليها فقط لأنه يقال عليها أنها إحدى كليات القمة.
حياتي الجامعية
في بدايه حياتي الجامعية بكلية الألسن لم أشعر أبدًا بالحماس وكنت أشعر أنني أدرس فقط من أجل الحصول على شهادةٍ جامعية، ولكن بعد انضمامي إلى قسم اللغة الإيطالية وجدت أن دراسة اللغات شيء ممتع وشيق للغاية خاصةً أني من محبي تعلم اللغات. بدأت اهتم باللغة الايطالية وأدرس بجد وبدأت تتغير اهتمامتي حتى تعلمت اللغة وأتقنتها وأنهيت المرحلة الجامعية لكي أبدأ في البحث عن عمل.
حياتي العملية
بعد التخرج من الجامعة بدأت فورًا في البحث عن عمل حتى أبدأ بأن أكون مسئولة عن نفسي وعن احتياجاتي وألا أرهق أبي أكثر فقد ساندني طوال حياتي العملية وقد حان الوقت لنجني أنا وهو ثمرة هذا التعب. بما أني أتقنت اللغة الإيطالية كان حلمي أن أجد عملًا أستغل فيه معرفتي باللغة وظللت أبحث عن عملٍ بشغف حتى أخبرني أحدهم بأنني أستطيع السفر إلى إحدى المدن السياحية مثل الغردقة وشرم الشيخ للعمل هناك حيث تتوافر فرص العمل بكثرة وفعلًا أرسلت السيرة الذاتية للكثير من أماكن العمل حتى حصلت على عمل بإحدى شركات الحجز السياحي.
كان هذا الأمر صعب جدًا على أمي وأبي أن أسافر بمفردي كفتاةٍ للعمل خاصةً وأني تربيت في منطقةٍ ريفية يعيب فيها الجميع على أبي إذا سمح لي بذلك، ولكن أبي ظل مساندًا لي وشجعني للسفر رغم خوفه علي ورغم معارضة أمي له ورغم خوفي أنا شخصيًا لأني كنت فتاة انطوائية إلى حدٍ أخاف الناس أشعر بالخجل إذا نظر لي أي شخص فكيف بفتاة مثلي الإقدام على هذا العمل وترك بلدتها الصغيرة والذهاب وحدها إلى مدينة مليئة بالثقافات والجنسيات المختلفة.
كان هذا الأمر بالنسبة لي تحدٍ لشخصيتي الخجولة المنطوية وهذا ما جعل إصراري يزيد رغبة مني في تغيير نفسي والخروج والتعرف على الناس والاحتكاك بهم والتعامل مع شتى أنواعهم حتى لا تصدمني الحياة والمواقف بعد ذلك.
حان وقت السفر
حان وقت السفر لترك بلدتي الصغيرة ومنزلنا البسيط والذهاب إلى العمل في مدينة تبعد ثماني ساعات عن بلدتي وعن أسرتي الحبيبة، حتى آخر يوم كانت الدموع تملأ عين أمي أملًا منها في إقناع أبي بمنعي ولكنه لم يأنف لحظةً واحدة من مساندتي. كل ما كان يجول بخاطري أن أذهب وأحقق ذاتي وأجعل أبي وأمي فخورين بي وأن يكون يكون لي راتب شهري وأن أعطي أول راتب لي كله لأبي كما تمنيت دائمًا في صغري.
وصلت إلى مكان العمل وكانت الصدمة
فبعد أن وصلت إلى مكان العمل وقابلت صاحب العمل حتى يشرح لي ماهيات عملي والبدء في التدرب وأنا في غاية الحماس وجدت ما لم أكن أحسب له، حيث أنه تم وضعي في وظيفةٍ أخرى تمامًا غير التي أتيت من أجلها وظيفة (order taker) أو بالعربية آخذ الأوامر أو الطلبات في قسم خدمة الغرف بأحد الفنادق الخاصة بالشركة كما كان هناك شرط بأن أبدأ العمل فقط بعد أن أشارك أفراد هذا القسم في عملهم في تنظيف الغرف. لا أقلل أبدًا من أي عمل أيٍ كان، ولكن لم يكن هذا العمل ما أريد ولا ما طمحت أبدًا، كانت صدمتي أكبر من أن يتخيل أحد.
أصبحت تائهة فقد ودعني أبي بنظرةٍ مليئةٍ بالأمل متمنيًا أن تصبح ابنته يومًا ما مديرة شركة الحجز أو صاحبة إحدى شركات الحجز السياحية، فالآن ماذا أفعل وماذا أقول لأبي، اعتصر قلبي من الألم والحيرة، هل اتصل بأبي وأخبره بأني عائدة أم هل أخبره بعملي الجديد أم أن أكمل ما بدأت به؟ بعد التفكير الذي لم يدم سوى بضع دقائق ومدير العمل ينتظر ردي حتى إن رفضت يبحث عن غيري، ولكنني رفعت رأسي وأشرت له بالموافقة وفعلًا بدأت العمل منذ اليوم التالي لسفري متيقنة أن كل شيء سوف يمر وأن سأحقق فوق ما تمنيت.
بعد مرور شهر واحد فقط في هذا العمل جاء نفس المدير وصفق لي في انحنائةٍ بسيطة تقديرًا لقوتي وإصراري وانتقلت بفضل الله للعمل بقسم الحجز آملةً في التقدم شيئًا فشيئًا في حياتي العملية. لم تكن حياتي في هذه المدينة البعيدة تتوقف فقط على العمل كنت أدرس وأتعمق أكثر وأكثر حتى أنني وجدت عملًا آخر في إحدى مراكز تعليم اللغات وأصبحت أعلّم غيري اللغة الإيطالية.
العودة إلى بلدتي لعملٍ آخر بأحد الشركات المرموقة
بعدت أن مر ما يقرب من سنةٍ لعملي كموظفة حجز وكمدربةٍ للغة الإيطالية هذه الشهور التي غيّرت حياتي بالكامل، شخصيتي بالكامل فأصبحت فتاة قوية قادرة على التأقلم أينما ذهبت، فتاة قادرة على التعبير والدفاع عن رأيها بعد أن كانت فتاة تبكي إذا تعرضت للمضايقة من أي شخص. كانت تجربة سفري بمفردي من أكثر التجارب التي أثرت على حياتي أيام وشهور مليئة بالتجارب والأشخاص الطيبة والسيئة أعطتني الخبرة كي أميز بين الناس.
عدت من هذه المدينة بعد أن قبلت بالعمل في إحدى الشركات التي كانت حلم بالنسبة لي للعمل بها، هنا فقط شعرت بقيمة ما فعلت وشعرت بأني أصبحت فخرًا لأبي وأني رغم شعوري بالفشل في بعض مراحل حياتي إلا أني أصبحت من الشخصيات التي طالما سمعت عنها، الشخصيات التي تضع أمامها هدف وتسعى من أجله وتنجح في النهاية في تحقيقه.