لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
قبل أن نبدأ في هذا المقال، دعني اسألك بعض الأسئلة لتفتح روحك وعقلك لاستقبال المعاني والمشاعر التي تحملها الكلمات. ما هو الشعور المسيطر عليك في رمضان هذه السنة؟ هل تقبلت اختلاف هذا الرمضان عن بقية رمضاناتك السابقة أم تشتاق للطقوس الرمضانية بشدة؟ كيف تقضي يومك الرمضاني؟ وما هو الشيء الذي تشعر أنه أفضل في رمضان هذه السنة؟ خذ وقتك في إجابة هذه الأسئلة بصدق، ثم لنُبحر في مقالنا الذي بين يديك.
في البداية لقد شعرت مثل الجميع بالحزن؛ كيف سنقضي رمضان مع الحجر المنزلي؟ كيف سنقلل العزومات والتجمعات ولن يكون هناك سهرات رمضانية حتى يحين موعد السحور، والأكثر حزنًا كان افتقاد صوت المساجد في صلاة التراويح ودعاء الإمام وتأميننا وراءه. شعرت وكأنه سيأتي رمضان حزينًا هذا العام. إلى أن تبدل هذا الشعور إلى العكس تمامًا، أتى رمضان بثوبه الجديد لكن روحه كما هي، جاءت مثل كل سنة لكنها متجردة من المظاهر كافة. وترتدي ثوب السكون كثوبٍ كان لابد منه.
تعودنا أن رمضان شهر مليء بالحركة، ممتلئ بالزحام والطقوس الكثيرة بين المأكولات الدسمة والحلويات الشهية والعزومات والصلوات وارتفاع أصوات المساجد الكثيرة وأصوات القرآن الذي يتردد على أسماعنا طوال اليوم، في العمق كنا نسمعه لكن لا نعيه، لا ندركه حق الإدراك، لا ننصت إليه كما اُمرنا. وكيف سننصت في زحام الأصوات في كل وقت وفي كل مكان ومن أكثر من مصدر في لحظةٍ واحدة؟
لكنْ الآن كل شيء مختلف، يُضفي الهدوء معنى لكل شيء، يُعطيك فرصة لتُدرك لتستسيغ وتشعر. كنا نظن أن الهدوء سيأخذ بهجة الأيام التي نعشقها؛ لكنه أثبت براءته، لم يأت ليأخذ بل جاء ليعطي، جاء لنتعرف على شكلٍ جديد من الشعور ببركة وجمال سكون هذه الأيام المعدودات.
جاء بعض الهدوء لنغتنم الأيام ببركتها، دون أن تسرق زحام الأفكار والبشر والتجمعات بركة اليوم الذي لن يعود. جاء هدوء يُذكرنا أن رمضان يأتي هدية من الله لنتقرب إليه عن طريقه أكثر. لا لنبتعد ونلهو في الزحام. فكيف سمحنا للطقوس أن تأخذنا بعيدًا عنه! كيف قدسنا طقوسًا شكلية أكثر من قداسة القرب الحقيقي!
7 قيم يمكنك أن تفعلها في رمضان مع طفلك
التعامل مع الحالة النفسية في رمضان وفي ظل كورونا
ثلاث نصائح لاستثمار شهر رمضان بفاعلية
أشعر أنك تقول الآن: “أشتاق لصلاة التراويح في المسجد” إذا كنت تفتقد رمضان القديم لتصلي في المسجد بين الجموع، فتخيل أن الله يريدك هذه السنة أن تأتي وحدك في موعدٍ خاص لك وحدك. يريد أن يرى صدق قلبك بين يديه دون مؤثرات خارجية تحركك وتحرك مشاعرك ووجدانك.
وأيضًا إذا كنت تريد ثواب وشعور صلاة الجماعة فلتصلِّ بأهلك، فقد أصبح كل الرجال أئمة وأصبحت كل البيوت مساجد. فيا لجمال هذا الرمضان الذي أحيا الكثير من البيوت والعلاقات الإنسانية بيننا وبين أقرب الناس إلينا. فالآن نحن ننفذ وصية نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- “اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبورًا”
ورغم ضيق الخيارات ظاهريًّا إلا أنه في الحقيقة كشف الضيق لنا عن وسعٍ كبير. نحن وتعُودنا والقالب المعهود لرمضان من صَنع الضيق بالشكل المحدد للأيام وللصلاة وللتجمعات وحتى للقرب من الله. فجاءت البدائل لتُرينا أن الضيق في عقولنا وليس في رمضان هذا العام.
جاء هذا العام ليُرينا احتمالات أكثر.. لنشعر باسم الله الواسع أكثر.. لنرى عطاءً وقدرة رغم كل شيء. لنرى جمالًا نغمض أعيننا عنه، لنرى سكونًا نهرب بعيدًا عنه ونحن في أمسّ الحاجة له، لنرى رحمةً نغفل عن التفكر فيها وسط الزحام، لنرى حبًّا وقُرْبًا ولُطْفًا يروي أرواحنا العطشة.
رمضان جاء هذا العام ليأخذك منك إليك. لكي لا تختلي فقط في العشر الأواخر؛ لكن لتعتكفه كله. فلا تسمح لشيء أن يُضيع هذه الفرصة العظيمة منك. لا مسلسلات أو برامج أهم، لا طقوس أهم، لا شيء على الإطلاق أهم من أُنْسك بذكره وطمأنينتك بقربه. ولم تَعْنِ أبدًا خلوتك ألا تستمتع بيومك أو لا تعمل وتذاكر أو تتعلم شيئًا جديداً وتستغل أيامك؛ أفعل كل هذا لكن وقتك المقدس للقرب لا تسمح باعتداء شيء عليه.
وإذا كنت مازلت حتى يومنا هذا لم تتعود وتُضيع رمضانك حسرةً على طقوس غير موجودة هذا العام؛ فلتفق من غفلتك وتتذكر أنك تعبد الله وليس الطقوس. والله يُريدك وسيقبلك في كل زمان ومكان وتحت كل الظروف. فلتغتنم فرصة الأيام الباقية، حتى إذا بَقِي من الزمن ساعة واحدة فلا تضيعها أبدًا فهي أيضًا لن تعود. فلتقم الآن لتنهل من نور رمضان الكريم.