لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
كان السلطان عبد الحميد الثاني يهدف إلي العمل علي توحيد الدول الإسلامية، ونشر فكرة الجامعة العربية؛ ومن أجل ذلك أبدي اهتماما بالغًا بإنشاء خطوط السكك الحديدية في مختلف أنحاء الدولة العثمانية؛ وبالفعل سعي نحو إنشاء السكك الحديدية في أنحاء الدولة.الهدف من محاولة إنشاء سكة حديد الحجاز
بالإضافة للأهداف الأساسية -كالأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية- لإنشاء السكك الحديدية في الدولة العثمانية كان لإنشاء خط سكة حديد الحجاز هدفًا أساسيًّا -والذي كان سببًا في تعاطف كل الأمة الإسلامية مع السلطان ودفع كل المسلمين للمساهمة بالتبرع من أجل إنشاء هذا الخط بالذات- وقد كان هذا الهدف هدفًا دينيًّا وهو خدمة حجاج بيت الله الحرام عن طريق تسهيل الطريق والذي كان يستغرق من المسافرين حوالي أربعين يومًا، وحوالي اثني عشر يومًا عن طريق البحر من ساحل الشام إلى الحجاز.التبرعات وتغطية التكاليف
قدرت تكلفت الخط بثلاثة ملايين ونصف، كما وصلت بعد ذلك إلى ثمانية ملايين ليرة عثمانية، وكانت الدولة في ذلك الوقت غير قادرة على تغطية التكاليف؛ لذلك وجّه السلطان عبد الحميد نداء للعالم الإسلامي للتبرع من أجل إنشاء خطط حديد الحجاز، وبالفعل لقي نداء السلطان استجابة كبيرة بين المسلمين في كافة أنحاء العالم، وقد افتتح السلطان عبد الحميد قائمة التبرع بمبلغ (خمسين ألفًا ذهبًا عثمانيًّا)من ماله الخاص. فهذا المشروع العظيم تم تمويله بالكامل من تبرعات المسلمين، ومن عائدات وضرائب الدولة العثمانية وبدون أي استثمار أجنبي.التنفيذ
في سنة (1900م) تم البدء في إنشاء خط حديدي من دمشق إلى المدينة، تم افتتاحها سنة (1908م)، وقد قُدرت تكلفة الخط بنحو (3,5) ملايين ليرة عثمانية لكنها زادت عن ذلك، فقد وصلت إلي ثمانية ملايين ليرة عثمانية، وقد بلغ عدد العمال في عام (1907م) (7500) عامل، وفي أغسطس (1908م) وصل الخط الحديدي إلي المدينة المنورة. وقد بلغ طول سكة الحديد (1320م) كيلو مترًا تقريبًا، وبلغ عرضها (1050ملم) واستغرق إنشائه (8) سنوات.تحقيق الحلم ووصول أول خط حديد إلى المدينة المنورة
وصل أول قطار إلي محطة سكة الحديد في المدينة المنورة من دمشق في أغسطس (1908م) وكان ذلك بمثابة حلم للمسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي، وفي ذلك اليوم خفقت قلوب الذين كانوا مشتاقين للقيام بأداء فريضة الحج.وأصبحت الرحلة تستغرق أربعة أو خمسة أيام على الأكثر بعد أن كان تستغرق من المسافرين حوالي أربعين يومًا، وحوالي اثني عشر يومًا عن طريق البحر من ساحل الشام إلى الحجاز. وكان ذلك بمثابة حلم للمسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي.وقد استمر خط سكك حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة يعمل لمدة تسع سنوات، وكانت هذه السنوات التسع هي التي حققت أحلام المسلمين في التنقل والوصول للحج والذي كان هدفًا لكل المسلمين في ذلك الوقت وربما كانت تمنعهم مشقة الوصول، واستمر ينقل الحجاج والبضائع لمدة تسع سنوات إلي أن تم تدميره علي يد الثوار في الثورة العربية الكبرى، بعد أن أنضم إليهم لورنس وقام بتحريضهم.ضياع الحلم
نستطيع أن نلمس في كثير من المواقف حنق الإنجليز علي ذلك الخط، وافتعالهم الأزمات من أجل إعاقة إنشاء الخط، وقد وصف السفير الإنجليزي في العاصمة العثمانية في تقريره السنوي لعام (1907م) أهمية هذا الخط فقال: (إن بين حوادث السنوات العشر الأخيرة عناصر بارزة في الموقف السياسي العام، أهمها خطة السلطان الماهرة التي استطاع أن يظهر بها أمام ثلاثمائة مليون من المسلمين في ثوب الخليفة الذي هو الرئيس الروحي للمسلمين، وأن يقيم لهم البرهان علي قوة شعوره الديني وغيرته الدينية ببناء سكة حديد الحجاز التي ستمهد الطريق في القريب العاجل أمام كل مسلم للقيام بفريضه الحج إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة).ويقول الشيخ "علي الطنطاوي" عن دمار سكك حديد الحجاز:"قصة سكة حديد الحجاز مأساة بكل معنى الكلمة، فالخط موجود وقائم، لكن بلا قطارات تسير عليه، المحطة موجودة، ولكن لا يوجد مسافرون".لكن هذه ليست ببساطة قصة إهمال وآمال متبددة.في الحرب العالمية الأولي سنحت الفرصة للإنجليز لتدمير هذا الخط؛ فقد تحالف الإنجليز مع القوات العربية بقيادة فيصل بن الحسين، فقد تحالف لورنس في عام (1917م) مع الثوار في الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين وقاموا بتخريب سكة حديد الحجاز، ولا تزال هذه السكة مغطاة حتي اليوم، حيث لم تفلح أية محاولات في إعادة تشغيل الخط أو تحديثه.