Loading Offers..
100 100 100

لماذا تسكت الضحية عن الظلم؟

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

حينما تُكتشف قضية كبرى، أو حينما يصرخ أحد الضحايا مسمعًا الناس صوته وشكواه، شاكيًا الظلم الذي تعرض له، ننقسم ما بين داعم ومُكذب، وندعم التكذيب له بالصمت الطويل الذي اختبأ خلفه، ولم يعرض قضيته أو يصرح بها أمام الجميع ويدافع عنها، بل يتحدث البعض عن كونه جبانًا، غير مستحق لذلك الحق الذي جاء يطلبه لأنه صمت من البداية، متناسين بعض الأمور التي قد تجعل وضعه يؤول إلى ما حدث، ويغلبه الصمت والكتمان، فحينما يخبرك أحد في عمر العشرين مثلًا عن أن والديه كانا يضربانه في الطفولة وأنه يشعر بالظلم، ستتعجب وستسأله لما صمت، لما لم يخبر عمًّا أو قريبًا، متناسيًا عامل الطفولة الذي يجعل خوفه أكبر من أي شيء، وافتقاره للتصرف السليم.

العوامل التي تجعل الضحية تلوذ بالصمت

سِنّ الضحية عند وقوع الحادث
فسِنّ الضحية عند وقوع الظلم عليها أيًّا كان نوع ذلك الظلم، هو من العوامل التي تؤثر على خياراته في السعي لنيل حقه أو حتى على الأقل الإخبار عن الظلم الذي تعرض له، فبعض الأطفال في أعمارهم الصغيرة لا يدركون أصلًا أن ما تعرضوا له هو ظلم أو سلب للحقوق يقتضي أن يخبر به أحدًا أو يطلب المساعدة، وبالأكثر إذا تعرض للظلم من قِبَل والديه مثلًا، فإن ذلك يأخذنا إلى نقطة أخرى مهمة.
نفوذ الظالم وموقعه من حياة الضحية
فإذا كان الظالم أبًا أو أُمًّا (وما أكثر ما يقع الظلم من الآباء والأمهات لأنهم يظنون أن حياة أبنائهم مِلكًا لهم)، أو شخص يسيطر على حياة الفرد أو قد يعوق التقدم في مستقبله، فإنه من الصعوبة الشديدة أن تتكلم الضحية حول الظلم الذي تعرضت له إما لخوف أو إبقاء مودّة، وهذا ما يحدث كثيرًا في البيئات الريفية في مصر حيث يحرم الأخ أخته نصيبها المشروع من الميراث، أو يعضلها عليها في أخذه، وتجد الأخت صامتة لا تثور ولا تطالب بحقها.قد يبدو هذا شكلًا من أشكال السلبية أو الانبطاح لكن الحقيقة أن الأخت تعتبر أخاها أبًا آخر، أو سندًا لا يمكنها خسارته في مقابل القليل من الأموال (أو حتى كثيرها!). فهي ترى أن الأخ لا يمكن تعويضه، وكذلك الطالب الذي يتعرض للظلم من أستاذ جامعي فيؤثر الصمت، بدلًا من التعرض لبطش الأستاذ طيلة مدة بقائه في الجامعة.
جنس الضحية
جنس الضحية -سواء كان ذكرًا أو أنثى- يتحكم كثيرًا في درجة الشجاعة التي يتحلى بها، فبعض الفتيات مثلًا قد تخشى الإفصاح عن التحرش في العمل، لئلا تتشوه سمعتها، أو يخبرها الجميع أنها المتسبب، أو يجعلها تخاف بطش صاحب العمل، لأن الإناث في مجتمعاتنا تُربى على أنها المخطئة دائمًا، أو أنها أضعف من أخذ حقّها فتكبر ولديها اعتقاد كامل بأنها لن تستطيع أخذ حقها فتؤثر الصمت، ثم حينما تطمئن لتأييدٍ ما تتحدث عن الظلم الذي وقع لها، وهناك يتم التساؤل لما كان الصمت من البداية.
اعتقاد المظلوم أنه سبب ما وقع عليه من ظلم
إما لأن المجتمع يصور له ذلك، وإما أنه يشعر أنه شريك في الظلم وهذا ما يفعله الجاني به: فحينما يتم التحرش بفتاة تصمت مخافة أن يقول أحدًا أنها المذنبة لأنها تلبس كذا أو كذا، أو لأنه ترجع في ساعة متأخرة. أو لأنه خاف على درجاته، أو لأنه نفسه يرى ذلك ربما لشعور بالدونية يعتريه، فيتحمل الظلم من أجل أنه يستحق ذلك فحسب، ولا يسعى لأخذ حقه.قد يسبب ذلك خللًا في تربية الأبناء؛ لأن الوالدين منذ الطفولة كانوا يحملونهم أخطاء ليست أخطاءهم، فيكبر الأبناء ويتضاءل صوت الوالدين، أو يختفي لكن يكتسب الأبناء هذا الصوت ويصبح صوتهم الداخلي فلا يدفعون الظلم عن أنفسهم، لأنها تخبرهم أنهم مستحقون لذلك العذاب بسبب شيء لا يعرفونه.
الإيمان بأن ذلك الظلم هو ابتلاء
تشيع في المعتقدات الشعبية ثقافة أن كل ظلم يتعرض الإنسان له هو ابتلاء من الله عليه الصبر لينال الأجر، ربما نبع هذا المعتقد حتى يكفّ الناس عن المخاطرة والمطالبة بحقوقهم ممن هم أكبر منهم نفوذًا وربما لأنهم غير مدركين على الابتلاء الذي ليس لنا دخل فيه ولا يمكننا دفعه، إلى المشكلات التي يمكننا توليها وإصلاحها، فقد يضيع حقّ الضحية لأنه يعتبر أن الاستماتة في الدفاع عن حقه معاندة للقدر.
الخوف من فقد امتيازات وهمية
نجد ذلك الأمر في الأبناء الذين يؤجلون مناقشة ذويهم بأن طريقتهم تسبب لهم الأذى ولا تعجبهم، لأنهم يخافون أن يحرموهم من بعض الامتيازات غير الحقيقية، كما تخاف بعض الزوجات ذلك أيضًا، تفكر أن ما يمنحها إياه زوجٌ مؤذ أفضل مما ستحصل عليه حينما تتركه، أو تتخذ قرارًا حاسمًا بشأنه لذلك تفضل التعرض للظلم، على اتخاذ قراراها بالمواجهة، وهو ليس بجبن بل إنه خوفٌ طبيعي ولكن حذار من أن يتحول لطوق دائم ومهرب وحيد من المواجهة، والحسم.
"ما يحدث من أجل مصلحتي"
ينجح بعض الأباء في تزيين الأذى الذي يوقعونه على أبنائهم عن طريق أنهم يخبرونهم أن ذلك العقاب الذي أوقعه عليك وتلك الإهانة التي أوجهها إليك إنها فقط من أجل مصلحتك، من أجل أن تصبح رجلًا فاضلًا أو امرأة فضلى، لذلك يبتلع الأبناء الأذى والإهانات، ولكن الأمر في الواقع لا يتعدى أذى وحتى لو كان أذى مزخرف بالكثير من الحب والود، لإن التربية القويمة، واحترام الأبناء لا يتعارضان بل يذكيان بعضهما بعضًا، ولكن حينما يتم بثّ تلك المفاهيم في عقول الأبناء من الصغر سيكبرون وهم لا يرون سوى ذلك، فيظن أن عقاب المعلم القاسي من أجل مصلحته، وأن تأنيب المدير له أمام الزملاء من أجل مصلحته، وأن إساءة زوجها إليها من أجل المصلحة، فينتج عن ذلك السكوت عن الإساءة لظن الضحية أنها للمصلحة.

لماذا تنفجر الضحية فجأة؟

تنفجر الضحية فجأة مطالبة بالحق المسلوب منها لأنها تعرضت لصدمة ما، أو خبرات أخرى، أو مفاهيم غير التي دَرَجت عليها، أو لأنها شعرت بأنها مؤيدة وأنها ستلقى الدعم لا اللوم، لذلك تجد الفتيات مؤخرًا يتحدثن عن كل ما حدث لهن، لأن دور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ملموسًا، فأصبح يمكنهن التحدث بحرية عما حدث لهن، لأنهن يجدن الدعم والقانون يقفان في صفوفهن؛ لذلك تنفجر الضحايا وتتحدثن عما حدث لهن من ظلم.مثل ذلك أن تتعرض الضحية لخبرة مغايرة تعلمها ما الذي يجب عليها أن تفعله، مثل حضور السيدات اللائي تعرضن للإساءة من الأزواج لندوات عن الأمور غير المغفورة، والتي ليس لها أي مسمى سوى الإساءة، أو حتى خضوع بعض الأفراد للعلاج النفسي الذي بالضرورة يغير نظرتهم نحو الحياة ويجدد المفاهيم التي يعرفونها، أو حتى التعرض لموقف يشابه مواقفهم ومتابعة ردّ فعل الضحية فيه، الضحية التي تتخذ موقفًا حازمًا، فتحدث داخله ردة عنيفة، تجعله يعيد التفكير في مفاهيمه مجددًا، وإعادة تقييم الأمور، في تلك الحالة يعيد التفكير فيما حدث، ويعيد فتح الملفات القديمة، وفي تلك الخطوة يجب علينا أن ندعمه لا أن نتعجب من رد الفعل.
إليك أيضًا

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..