لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
"ثمة قصة أكثر إظلامًا بكثير لا تزال باقية لتروى، وهو فيما يحتمل ليست عن هذا الفيروس (السارس) بل حول فيروس آخر، عندما يأتي (الوباء الكبير التالي) يمكننا أن نخمن بأنه سيكون وفق النمط المعاكس نفسه، وتكون القدرة العالية على العدوى سابقة للأعراض الملحوظة، سيساعده ذلك على أن يتحرك خلال المدن والمطارات كملاك للموت".هذا الإقتباس من كتاب الفيض "Spillover: Animal Infections and the Next Human Pandemic" والذي كتبه دايفيد كوامن عام (٢٠١٢م) أي قبل ثماني سنوات من احتلال فيروس كورونا -الآتي من الصين- العالم.ذلك حينما كان يتحدث عن فيروس السارس الذي انبثق في عام (٢٠٠٣م) في هونج كونج الصين وكان آنذاك الحدث الجلل الذي يتحدث عنه الأغلب الفرق بأن السارس تأتي أعراضه متوافقة للمرض على النقيض مما يحدث مع كورونا الصين (COVID-19) الجديد في كون العدوى تتفشى قبل أن تظهر الأعراض ليكون لباس الموت المتوشح كالملاك بين كل شيء.في كتاب (الفيض) لكوامن يشرح العلاقة المتصلة ما بين الحيوان والإنسان في شكلها المباشر حول حدوث الجوائح من خلال الأمراض الحيوانية المعدية، يعرج الكاتب في تعريف مصطلح الإيكولوجي وهو وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية WHO: العناصر الفيزيائية والبيولوجية مجتمعة في بيئة وهي كائنات تشكل مجموعة العلاقات المعقدة والتي تتفاعل مع بيئتها الفيزيائية، هذا التعريف الذي يبين الصلة ما بين الحيوانات والإنسان والطبيعة على حد سواء في البيئة الطبيعية.قد تتساءل عزيزي القارئ عن علاقة الحيوان والانسان وعن معنى وجود الجوائح التي تسبب في الإبادات البشرية، كوامن أشار لذلك في مصطلح "Zoonosis" والتي تعرف بأنها: عدوى حيوانية تنتقل عن طريق البشر، والأمثلة على ذلك متعددة كفايروس إيبولا مثلًا أو حتى في البكتيريا مع عدوى لئيم.منذ سبعة عقود بدأت الأمراض الحيوانية في الانتشار والتوسع لتشكل ما نسبته (٦٠٪) من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان، وهو ما يجعلنا نؤمن أكثر بأهمية التواصل بين المخلوقات (الحيوان والإنسان) وهو ذات الشيء الذي يعيد للأذهان تفسير النظرية الدارونية بأن هناك طبيعية أزلية وتشابهًا في النوع والمصير ما بين (الإنسان/الحيوان) .فايروس الهندرا الذي انتشر في أستراليا في عام (١٩٩٤م) عن طريق الخيول والتي سميت فيما بعد هذه الخيول (بالكائنات المضخمة للفيروس) أي التي يتكاثر وينقسم فيها الفايروس ويتعود على بيئته الجديدة في خلايا الخيول، من ثَمّ ينتقل للإنسان مما اصطلح عليه لاحقًا هذا الانتقال ليسمى (بالفيض) أي من الخيول نحو الإنسان، والتي أحدثت سلسلة من التحقيقات والرغبة في كشف حقيقة انتشار مثل هذا الفايروس قادت في نهاية المطاف الكشف عن الحيوان الذي كان بداية فايروس الهندرا (الخفاش) والذي اصطلح هو الآخر أيضا على تسميته (بالكائن الخازن للفيروس).هذا المثال للمرض الذي استهل فيه كوامن كتابه ليكون أوضح مثال على الكائنات (الخازنة/المضخمة) للفيروسات من ثم حدوث الفيض والعدوى هو ما يشرح بقية انتشار الأمراض مثل (الملاريا، الإيبولا، الإيدز، السارس .. إلخ) ولكن لأن البقية لم تكشف كل أسرارها مثل فيروس الإيبولا ظل مناط الحيرة والغرابة مما يدعو لكثير من الدراسات والجهود لكشف النقاب عن الفيروس الذي رفع إنذارات الخطر في العالم أجمع والذي جعل من ضحاياه نحو (١٠) آلاف جثة مصابة بالإيبولا المريبة.الإنسان هو المتهم الأول في هذه الجوائح ذلك لأنه أخل بالنظام البيئي (الإيكولوجي) ذلك في كونه أحدث الاضطراب في الكرة الأرضية بتغييره نظام الغابات بقطع أشجارها وتعبيد الطرقات السريعة وإحداث الحرائق وإقامة المستعمرات والاستهلاك الكبير في التغذية بأكل لحوم الطرائد، كل هذه الأشياء دعت الفايروسات بكل أشكالها لإيجاد مواطن جديدة تتكاثر وتنقسم فيها وذلك من خلال انتقالها من الحيوانات التي شارفت الفناء جراء تعسف الإنسان نحو الإنسان نفسه لتقتله هو الآخر ليكون هو الكائن (الخازن) الجديد.مصطلح الـ"Zoonosis" الذي تطرقنا له سلفًا قد لا يعرف له طريقة تعامل مسبقة ولكن في القرن (٢١) سيصبح هذا المصطلح أكثر تغلغلًا في حياتنا العامة وقد يصبح هو شغلنا الشاغل، هناك (٧) مليار من التعداد البشري يسيئون نحو النظام البيئي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهم من عليهم تحمل تبعات تصرفاتهم تلك ابتداء بالحكومات ووصولًا للبشر ذواتهم.الكتاب الذي كتبه كوامن على جزئين هو كتاب مسلٍّ لا يدعو للارتياب والهلع بل الفهم العلمي لنشوء تلك الأمراض ومعرفة كيفية التعامل معها وذلك في الاستجابة بذكاء لكل ما هو قادم. أما عن بيل جيتس المؤسس لشركة مايكروسوفت بعد تخليه عن عمله هو وزوجته في مايكروسوفت انتقل نحو العمل الخيري في أصقاع العالم، مع بداية انتشار مرض الكورونا كان حديثه على منصة (TedX) قبل خمس سنوات من أكثر المقاطع رواجًا في العالم ذلك لأنه كان يحذر من خطر مرعب في العالم (٢٠١٥م) يتربص بالبشر.عنوان محاضرته (الجائحة القادمة، نحن لسنا مستعدين ) أكد بيل أن الحدث القادم ليست حربًا نووية بل في كائن صغير يسمى (فيروس) والذي قد يحدث بعده ضحايا في العقود القادمة بسبب ذلك الفيروس يقدر بـ (١٠) ملايين ضحية لتكون حربنا ليست في القذائف العملاقة بل في الميكروبات الصغيرة.سبب أننا لسنا مستعدين للعدوى القادمة هو صرفنا المسرف على الأسلحة النووية وطرق تطويرها لكن الصرف على الميكروبات قليل وقليلة جدًّا، وهو السبب في أننا لسنا متسعدين للحرب العالمية القادمة ضد (الميكروب) بنوعيه الفيروس والبكتيريا.القليل من الدراسات والبحوث والأشخاص هي التي تعاملت مع الفيروس الغامض الإيبولا في أفريقيا والتي هي غير دقيقة، في الجائحات الكبيرة نحتاج إلى مئات بل الألوف من المتطوعين العاملين لكشف غموض مثل هذا الفيروس وما سيعقبه من جوائح تالية. بيل جيتس ينتقد منظمة الصحة العالمية في كونها فقط تقوم بالمراقبة فقط وعدم التدخل الجدي والصريح.في العالم (١٩١٨م) كانت أعداد من ماتوا جرّاء الحمى الإسبانية (٣٠) مليون شخص بينما لأننا كنا محظوظين كفاية فإن أعداد القتلى المسببة لفايروس الإيبولا هو (١٠) آلاف شخص كوننا محظوظين هو عدم قدرة الفيروس على الانتقال في الجو وإصابة أعداد أكبر من هذا الرقم.
يقترح بيل جيتس عددًا من الطرق الاستباقية والاستعدادية لمجابهة هذا الفيروس وذلك من خلال:
- نظام صحي قوي خصوصًا في البلدان الفقيرة وذلك في توفير اللقاحات والمعدات.
- فرق طبية مدربة مع مدراء خبراء.
- دمج كل من (الجيش/الطب) في منظومة واحدة وذلك للتحرك السريع اللوجستي ما بين الأماكن المضطربة ذات العدوى.
- معرفة الثغرات البكتيرية بعمل محاكاة واقعية للمرض.
- القيام بالكثير من البحوث والدراسات في كل من (اللقاحات، والتشخيص) وطرق تطويرها.