لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
في وقت ليس ببعيد، شعرنا نحن النساء بأننا ليس موضع ترحيب في مكان قاتم، ينظر لنا أننا لسنا ذوات قيمة، بقدرات عقلية متدنية، ناهيك عن السخرية المستخدمة بأسمائنا و التي تعتبر شيئًا لا قيمة له مقارنة بكيف يتم معاملة النساء في العالم وعلي وجه الخصوص عالمنا العربي.
الكتابة كمهرب
اتخذت عدد من الكاتبات الكتابة كأداء للخروج من الصورة النمطية الشائعة عن دور المرأة، التحرر من الأدوار التقليدية التي حشرن فيها، فجاءت الكتابة كفعل قوي يعترف بهن من خلاله. فبدل من اختزال النساء في جسد شهي كما يروج له الإعلام بجنون دائم، أصبح ينظر إليهن على أنهن كائن متكامل غير مختصر في قالب معين، فالفكرة حول قولبة المرأة في جسد فقط، ليست وليدة الحداثة والعالم الجديد، وإنما قديمة بقدم وتطور الزمان، فقط الإطار ومعايير الإغراء هي ما اختلفت. فجاءت الكتابة لتكن وسيلتهن للتعبير عن وجودهن الحقيقي، وإحساسهن بأنهن كائن طبيعي غير مختزل.
الكتابة المجنسة
في الحقيقة أنا لا أؤمن بجنسنة الكتابة، فالكتابة فعل إبداعي وتجربة ذاتية إنسانية يروي الكاتب من خلالها نظرته للوجود والمجتمع من حوله، يقول الكاتب المصري "خيري شلبي" في نصائحه للكُتّاب الشباب يمكنك الاطلاع عليها من
هنا ، بأن يزدادوا خبرة من الحياة ويكدحوا فيها قدر المستطاع، ليستطيعوا صيغة تجربة إنسانية حقيقية نابعة من الذات، ولكن الكدح فرض على النساء دون أن يخترن، فجاء نتاجهن الأدبي بشكل يأخذ الأنفاس. ولا ننكر الأعمال الروائية المبتذلة سواء كتبت عن طريق رجال أو نساء والتي امتازت بالهشاشة الأدبية وسطحية النظرة. ولكن الأدب لا يعرف جنسًا وإنما هو فن يمكن أن يخطو فيه كل من كان يملك الأدوات لخلقه.
نساء في عالم الأدب
في بداية القرن المنصرم كان النظام الأبوي البطريركي ما زال في أَوْجِه، فكانت الغالبية من النساء تمنع من التعلم، والخروج من المنزل وحدها ناهيك عن اتخاذ قرار يخص حياتها (ما زالت تلك الأمور مستمرة إلى الآن بشكل كبير). ومن ذلك الجو الخانق ظهرت أصوات تطالب بمنح الحقوق الطبيعية للنساء، ومنها ظهرت كاتبات شققن طريقهن بعناء في العالم وبخاصة عالم الأدب الذي تفَّهَ الأدباء المسيطرون عليه آنذاك من أعمالهم، ليعترف بوجودهن في نهاية المطاف.تقول الكاتبة المصرية "رضوي عاشور": أكتب لأني أشعر بالخوف المتربص، فأنا امرأة عربية ومواطن من العالم الثالث، وتراثي في الحالتين تراث الموؤدة. فجاءت الرواية المكتوبة بقلم نسائي كمساحة حرة للتعبير عما تواجه النساء من قهر يأخذنه على جرعات إجبارية لا مفر من ابتلاعها.منذ ما يقارب سبع سنوات قرأت بالصدفة للكاتبة المصرية فتحية العسال، وقتها كنت بنت السادسة عشر ولم أكن علي دراية بالكثير، دهشت بقسوة تجاه أفعال أجهل وجودها، وأبعاد كنت معمية عنها، فالكاتبة تعرضت لتجارب قاسية كالختان، والذي ما يزال موجودًا -أسفًا- في بعض أنحاء الوطن، وتسلط أبيها المفرط، وحرمانها الإجباري من التعليم الذي أثر على نفسيتها على نحو بالغ.نسجت فتحية عالَمًا حقيقيًّا يضج بمشاعرها، عالَمًا مسكوتًا عنه، بمشاهد ثرية ما زالت محفورة في ذهني حتي الآن، ومنها تجلت روعة الكتابة، فخلقت الكاتبة من الكتابة مساحة تهرب إليها، حتى لا تفقد نفسها أو تُجنّ، وبالمقابل كانت الكتابة هي أيضا الطريق نحو حبها الذي تجسد في زوجها الشاعر عبدالله الطوخي.
كاتبات وتجارب
في ثمانينيات القرن الماضي، كانت الحركة النسوية في الوطن العربي بدأت في التفجر، وذلك ساعد كاتبات كثيرات على بلورة أفكارهن حول المرأة والمجتمع والحديث عنها دون حوف. من هؤلاء الكاتبات كانت الكاتبة الفلسطينية "سحر خليفة"، ففي وضع مملوء بالعنف والاستغلال والانسحاق شحن طاقتها وفجّرها في نهاية المطاف، فكانت تجارب الزواج الفاشل الذي خاضته بشكل مبكر وتجربة الأمومة والضغط الذي عانت منه، كلها كانت سببًا في بلورة أفكارها وتوجهاتها وأظهرها بشكل أعمق.
الكاتبة تشعرني بالطمأنينة
جملة ترددها الروائية اللبنانية "حنان الشيخ" في حوارها مع رفيف صيداوي، الذي يضمه الكتاب البديع (الكاتبة وخطابات الذات). فأنا وكثيرات غيري نكتب قصصًا، ومقالات وأشياء أخرى، وبرغم أن معظم تلك الكتابات لم تخرج للنور والأخرى يُدفع بها للخروج، فإن الكتابة كانت المساحة التي تشعرني بالراحة والأنس والرغبة في معرفة المزيد، فهي أشبه ببادرة أمل تجعلك تتعلق بالحياة، ترمي بها كل أثقالك وتصيغها في شكل فني بديع، فتخرج بك من حدود تجربتك الذاتية، لتكون تجربة جماعية تبدد الوحدة، وتحقق لك الاتزان النفسي في نهاية المطاف.لا أعرف متى خلقت الكتابة، ولكنها حتمًا كانت الوسيلة الأولى نحو تجفيف دموعنا.
إليك أيضًا:
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد