لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
يقول محمود درويش "لا أتذكر قلبي إلا إذا شقّه الحب نصفين أو جف من عطش الحب". أما نزار قباني فيقول "وعدتك.. ألا أحبك.. ثم أمام القرار الكبير جبنتُ.. وعدتك ألا أعود وعدتُ.. وأن لا أموت اشتياقًا ومتُّ" فالحب منذ أعوام وأعوام يشغل وجدان الجميع، كتاب وشعراء، يشغلهم للحد الذي جعلهم كتبوا دواوين كاملة يصفون فيها الحب، وحتى في الزمن الماضي لا توجد قصيدةٍ تخلو من وصف المحبوبة، أو الغزل.كما أن الأدباء والكتاب ليسوا الوحيدين الذين شغلهم الحب، بل شغل الفلاسفة أيضًا، الحب هو محرك الوجدان الإنساني، هو الذي يبعث الإنسان على الفن، الشعر، الكتابة، هو الذي يقوي أواصر الزيجات، وهو أول ما يشغل وجدان الفتيان والفتيات في مرحلة المراهقة، فتجدهم يتراسلون بالخطابات سرًّا، يتبادلون الزهور، وكذلك شغل علماء النفس، وما هو المسئول عنه، أهو العقل، أم القلب؟ وكيف ولماذا نقع في الحب؟عن الاستعداد في الوقوع في الحب وما يجلبه من مشقة
"ندخل للحب عُزَّلًا، فيعمي أعيننا، يجعلنا تائهين، نظن أن الحياة ليست حياة بدونه، وحينما تأتي اللحظة، وتنكشف الأشياء نندم" كتابتيقالت الصديقة ذات صباح لي عبر الواتساب : "أنا أحب، حينما يبتسم لي أحدهم، أظن أنه يحبني، فأحبه، بائع الزهور الذي قال لي صباح الخير بالأمس كمثال، اليوم الفتى في المقهى كتب اسمي على كوب القهوة ووضع جانبه قلبًا، شعرت أنني أحببته، تبقى لي أن أحب الشارد الذي طلب مني مالًا بينما أهم بالخروج من عملي، لأنه قال لي إنني امرأة جميلة".
كنت أضحك من صديقتي، لأنني ظننت أنها بدورها تسخر كعادتها لكنها كانت محقة، وكان هذا مخيفًا، فمعنى ذلك؛ أنه إذا طرق باب قلبها أيّ أحد كان وأخبرها أنه يحبها، وأنه يهيم بها ولو كذبًا لصدقته، ولدفعت بكل ما في داخلها من طاقة ومشاعر إليه، صديقتي تلك حالها كحالي، كحال الكثيرات والكثيرين، نفتح وسائل التواصل كل يوم لنجد الكثير من قصص الحب هنا وهناك، الكثير من الورد والشعر والقصائد، والزيجات الرائعة، مع الكثير من قصص الطفولة، وزواج سندريلا من الأمير.
إننا محاطون بكل ما يعزز وحدتنا، ويلمعها، ويبرزها في وجوهنا كل صباح، لقطات شاشة موضوعها عدد ساعات التحدث بين المحبين، بينما أنتم هاتفكم في وضع الصامت منذ سنوات، لا يقطع عزلتكم إلا اتصالات العمل، تحبون أغنية فتريدون مشاركتها مع أحدهم، تقرأون رواية جميلة، وتحفظون اقتباسات تتمنون لو أن لكم حبيبًا يشارككم تلك الأشياء البسيطة واللذيذة.
تشتاقون لأن يحبكم أحد، لأن يغار عليكم أحد، لأن يشاركم الفرح والنجاح والسعادة، وأن يشارككم الحزن وليالي الأرق الطويلة وتعب الأسئلة الوجودية، أن يسمع معكم صوت العصافير فيخالها لغةً خاصة يحاول أن يقلدها أو حتى يحاول ترجمتها، وأن يراقب النجوم في السماء، وأن يحاول عدّها، كل تلك الأفكار الرومانسية، حبيسة صدورنا، كل تلك التوقعات والأحلام تغلي في رؤوسنا فنشعر أننا نريد أن نحب.
نحب حتى من أجل أن نجرب الحب الذي يتحدثون عنه، نحب لأننا تعبنا من الوحدة، أو لأننا نغار ونريد أن نحب نحن أيضًا، مثل أولئك الذين يشاركون لحظاتهم السعيدة معنا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الفراغ اللعين، يدفعنا في الكثير من الأحيان إلى التفكير بلا منطقية، يدفعنا لشغله حتى بالضرر، فقد تدخل في علاقة حب فقط من أجل أن تشغل ذلك الفراغ الذي تحس به.
فما دام لديك استعداد للوقوع في الحب أو احتياج إليه، فكل ما يأتي إليك في تلك الفترة من مشاعر هو كاذب لا محالة، لأنك جائع وحينما تكون جائعًا ستأكل ما يقدم إليك، حتى لو كنت لا تريده حقيقةً، حتى لو كان ذلك ليس تفضيلك، حتى لو كان لا يناسبك، فإن كنت جائعًا بشدة، لن تفكر إن كان هذا الطعام سيكون ملائمًا لمشكلة القولون ومتاعب معدتك أم لا؟ أتعرف لما ينصح في الحمية بأن لا يضربك الجوع، لأنك إن شعرت بالجوع بشدة، ستأكل كل ما يقع أمامك، لن تفكر في حميتك، ما دمت في أوج الاحتياج لن تكون قادرًا على تمييز الجيد من الرديء، لن تكون في حالة طبيعية للحكم على مناسبة الأشياء لك.
كيف تتجنب حالة الجوع للحب
يقول ابن حزم الأندلسي "الحب، أعزك الله، أوله هزل وآخره جدّ، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة".
لا تترك نفسك للفراغالفراغ قاتل، قاتلٌ جدًّا، لذلك إذا أردتم أن تنجو بأنفسكم من يده الآثمة، أن تقوموا بفعل شيء، تشغلون به أوقاتكم حتى لا تظل عقولكم لاهية تفكر في ما سيحدث وما لن يحدث، وماذا لو لم يحدث كذا، لأن الفراغ لعنة يمكنها الفتك بكم وأنتم لا تشعرون، لذلك اشغلوا فراغكم، بالكتب والدراسة، أو بالفن والأدب، أو بالهوايات التي تملكونها، أو حتى بفعل أفعال خيرة، لا تجلسوا طويلًا في غرفكم، اخرجوا للحياة، وارتعوا في جنباتها، وحينها لن يصيبكم الجوع للحب.
عزيزتي الفتاة لن ينقذك الحب
إن كنتِ تبحثين عن الحب وتريدينه من أجل أن تتزوجي وترتدي فستانك الأبيض، وتسعدي برفقة فارس الأحلام والحبيب المرجو، فتوقفي الآن من فضلك، من كاذبًا أخبرك أن الوقوع في الحب سيضمن لك السعادة الأبدية، التي تحلمين بها، ماذا لو أحببتِ رجلًا متملكًا، يجعلك تشتهين الحياة ولا تتذوقينها، رجلًا قادرًا على قتلك ببضع كلمات غادرة، أو رجلًا يسيء لكِ لأنه ضمن أن قلبك لن يتغير.
عزيزتي الجميلة، لا تظنين أنني لا أريد أن أحب، أو أن هذا وتلك أيضًا يريدون الحب، ولكن أثبتت التجارب من حولي أنه طالما ترين أن الحب هو المخلص، فلا تنساقي خلف قلبك حينما يدقّ، لأنه لا يحب حقيقةً إنما يسقط مشاعره على ذلك الرجل، وكذلك أنت يا عزيزي أيضًا تسقط مشاعرك وقوة حبك المتخيلة في دماغك على تلك الفتاة فحسب، لأنكم تريدون الحب، لا تريدون الشخص.
لا تدع قصص الحب الشهيرة تخدعكدائمًا ما أقول، وأعيد لا تصدقوا كل ما تصدره السوشال ميديا، فلا الحب يضيء الوجوه، ولا يحسن الصحة العقلية، ولا يجلب السعادة والمال، للحب وظيفة محددة، لا ننكر أنه يجعل الحياة أفضل، وأنه إن كان صحيًّا سيعود بالنفع، ولكنه ليس المنقذ المخلص، ليس الطبيب النفسي الذي سيطبب جراح قلبك، الحب سيجعل الحياة ألطف، أخف، سيكون من الأسس التي تبنى عليها حياتكم الزوجية لكنه ليس كل شيء.
هناك اقتباس أحبه لأحلام مستغانمي وهو "أجمل حب هو الذي نعثر عليه أثناء بحثنا عن شيء آخر" لذلك لا تبحثوا عن الحب، بل ابحثوا عن ذواتكم، عن ما يجعلكم من السعداء، لا تنتظروا أن يأتي شخصًا ويحمل إليكم السعادة، لأنه حينما يرحل، سيأخذها معه أيضًا، كونوا محققين، كاملين، مطمئنين، لأن الحب حينما يأتي في تلك اللحظة لن يكون إلا حبًّا حقيقيًّا، كما أن حالتكم تلك، ستجعلكم قادرين على الحكم بروية، وعقل ومنطق، لن تندفعوا بشدة قد تغرقكم، كذلك لا تجعلوا أرواحكم عرضة للاستهلاك من قِبل العابثين، فأنتم تستحقون الأفضل.