لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
الترجمة فن نقل النص أو الكلام من لغة المصدر إلى اللغة الهدف، ولكنها ليست مجرد نقلٍ لغويٍ فقط بل نقل ثقافي أيضًا، الترجمة سفينة تعبر بحور اللغات والثقافات، لذلك لا يمكن للترجمة الآلية أن تحل محل الترجمة البشرية لأنها تقف عاجزة أمام عبور حواجز التعدد الثقافي.
المترجم المحترف يقرأ النص آخذًا في الاعتبار الجوانب الثقافية جنبًا إلى جنب مع الظواهر اللغوية مثل الصياغة، اللغة العامية، الأقوال المأثورة، الأمثال الشعبية، المحاكاة الصوتية، العادات والتقاليد، وقواعد السلوك.
فالترجمة بذلك تُعد عملية معقدة إلى حدٍ ما لأن المترجم يصطدم أحيانًا بجوانب غير قابلة للترجمة أو مطباتٍ ثقافية تلعب فيها الأيديولوجية دورًا مهمًا، لذلك يجب أن يكون المترجم مدركًا لأهمية الآثار الثقافية والجوانب الثقافية المعينة عند قيامه بالترجمة، وإجراء تقييم عقلاني للترجمة الأكثر ملاءمة لنقل رسالة اللغة الأصلية بكفاءة.
هل الثقافة مؤثرة في الترجمة لهذا الحد؟
إذن ما هي الثقافة؟ يمكننا أن نحدد المفهوم باستخدام تعريف نيومارك الذي ينظر إلى الثقافة على أنها "طريقة الحياة ومظاهرها التي يتبعها مجتمع ما مستخدمًا لغة معينة كوسيلةٍ للتعبير عنها". يعتبر فيرمير أن اللغة جزء من ثقافة، وبغض النظر عما إذا كنا نتفق مع هؤلاء المؤلفين، يمكننا القول أن الثقافة واللغة لا ينفصلان.
لذلك يجب أن يكون المترجم على درايةٍ بالمعرفة التي قد يمتلكها القرّاء أو الجمهور، خاصةً في حالة الترجمة الفورية مثل أسماء النباتات والحيوانات والرياح والجبال المواد أو المصنوعات الغذاء، الملابس، الإسكان والمجتمعات؛ الثقافة الاجتماعية والعمل والترفيه؛ العادات والمفاهيم (السياسية والدينية والإدارية) والإيماءات والعادات.
يذكر نيومارك بعض الأمثلة عن الاختلافات الثقافية بين الشعوب في كتابه (عن الترجمة) مثل:
- التنين وهو حيوان يتّسم بالطيبة في اللغة الصينية بينما تتسم بأنها حيوانات مؤذية في اللغة الإنجليزية.
- اللون الأحمر من ألوان الاحتفالات والبهجة في في اللغة الصينية، بينما يرتبط بالقسوة والتخويف في اللغة الإنجليزية.
- اللون الأسود هو لون الحداد في اللغة الإنجليزية والعربية وثقافات أخرى بينما في اللغة الصينية اللون الأبيض هو لون الحداد.
وأوضح مثال على ذلك عندما نترجم (أثلجت صدري) إلى اللغة الإنجليزية تترجم إلى It warmed my heart وذلك لأن الطبيعة الأوروبية باردة، فأحوج شيء عندهم للشعور بالراحة هو الدفئ والحرارة، على العكس من الدول العربية الحارة فأكثر ما يشعرهم بالراحة هو برودة الجو؛ لذلك كلما زاد وعي المترجم بتعقيدات الاختلافات بين الثقافات، كان المترجم أفضل وأكثر احترافية، دور المترجم هو تقريب المسافات بين الثقافات والإسهام في نشر التفاهم.
ومن الضروري ملاحظة أن اللغات كلها تضم كلمات تستعصي على الترجمة والتي يجب أن ينقل معناها، إن كان مهمًا بإيجاد المكافئ الفظي أو الثقافي الموجود في اللغة الهدف، فالترجمة يمكن وصفها بأنها وسيلة ملء الفجوات بين اللغات، فالكثير من الكلمات تأثّر بالثقافات التي ترد فيها على المستوى اللغوي والثقافي وعلى مستوى الموقف نفسه ومن ثم لا يمكن ترجمة هذه الكلمات بمنأى عن هذه المؤثرات ولا نظر إلى النص بأكمله كوحدة ترجمة.
ترتبط الترجمة والثقافة ارتباطًا وثيقًا، حيث أن المعاني تتأثر في كل من لغات المصدر واللغة المستهدفة بعُمق بسياقها الثقافي، قد تتضمن العبارة -التي يبدو من السهل ترجمتها في الواقع- بعض التفاصيل الثقافية التي إذا لم يتم حسابها، يمكن أن تأتي بالمعنى المعاكس تمامًا مما هو مقصود. لذا فإن الترجمة دون سياق ثقافي عميق يمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة، لا سيما عندما تكون المعاني مهمة، فقد أدّت بعض الترجمات الخاطئة إلى تراجع أسهم بعض الشركات وإلى إعادة تسمية منتجات باهظة الثمن.
كل جملة مترجمة يجب أن يكون المترجم قادرًا على اتخاذ قرار بشأن أهمية سياقها الثقافي، وما تعنيه هذه العبارة حقًا، وليس بالضرورة ما تعنيه حرفيًا، ونقل هذا المعنى بطريقة لا تعني فقط اللغة المستهدفة، ولكن أيضًا أيضا في سياق الثقافة المستهدفة.
الاختلافات الثقافية تتضمن مشكلة العثور على مكافئ لفظي في اللغة المستهدفة الفريدة، على سبيل المثال فقد تكون أسماء بعض العادات في اللغة المصدر غير موجودة في اللغة الهدف، إذن كيف يمكن ترجمة هذه السمات الفريدة للثقافة؟
وحده المترجم المستغرق في ثقافات كلٍ من لغة المصدر واللغة الهدف يمكن أن يقدم تفسيرا لهذه الاختلافات.