لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
خلال السنوات الأولى من حياتي المهنية كمستقل، كنت أواجه نفس المونولوج الداخلي في كل مرةٍ أقدّم فيها عرضًا. ماذا أقول فيه؟ “أبدو متصنعًا.. سيحصل المستقلون الآخرون على المشروع لأنني لست كافيًا”. يمكن للعمل الحر أن يكون حقل ألغام للسلوك غير الصحي والمرض العقلي.
إضافةً إلى التحدث السلبي عن الذات، والشعور بالوحدة والاكتئاب. لهذا السبب لا بدّ أن يتعلم المستقلون -كونهم يفتقدون وجود طرف ثالث يوجههم بموضوعية- التعرف على مؤشرات الخطر بأنفسهم. وواحدة من أصعب المعارك -من وجهة نظري- هي مجابهة ذاك الصوت الصغير داخل رأسي، والذي يخبرني أنني خارج المجال أصلًا.
يُطلق علم النفس على هذا الصوت اسم (متلازمة المحتال). وغالبًا ما يتم وصفها على أنها عجز الشخص عن قبول إنجازاته، وبالتالي شعوره بأن ما يفعله هو عملية احتيال، ليقضي حياته في انتظار من يكشف زيفه. وعلى الرغم من الأدلة الكثيرة على كفاءتهم وإشادات الآخرين بهم، يعاني الأشخاص المصابين بمتلازمة المحتال/الدجال من الحديث السلبي عن أنفسهم وهم مقتنعون بأنهم لا يستحقون أن يؤخذوا على محمل الجد.
لمَ المستقلّين أكثر عرضةً للإصابة؟
نظرًا لأن المستقلين يبنون عملهم على أساس العلاقات والتواصل، فيسهل عليهم جدًا إسناد النجاح الذي يحققونه إلى عوامل خارجية (كالحظ على سبيل المثال) بدلاً من كفاءتهم. أضف إلى ذلك (العزلة الاجتماعية): خُلقنا كبشرٍ للعمل ضمن بيئاتٍ اجتماعية حيث نتلقى ردود فعل. أما بالنسبة للمستقلين، وحتى من يعمل منهم في مساحات العمل المشتركة، فهم يعانون من العزلة معظم الوقت. مما يعرّضهم لمشاعر القلق ويمحو أي فرص لتلقي التغذية الراجعة.
يقول الطبيب النفسي (جاي ساول-Jay Saul) في هذا الخصوص “من الصعب للغاية الحصول على الإشادة والثناء من زملاء العمل والمشرفين عندما تعمل بمفردك. وفي بيئةٍ غير تقليدية -كالموجودة في العمل المستقل- قد لا تسمع أي ملاحظات وتُترك عرضة لفرط التفكير في نوع العمل الذي تقدمه.”
كيفية التعامل مع متلازمة المحتال
إعادة برمجة عقلك ليست مهمة سهلة، ولا أدعوك للقيام بذلك دون مساعدةٍ من مختصٍ بالصحة النفسية. ولكن هناك بعض السلوكيات التي يمكنك الانخراط بها الآن لتجنب أفكارك السلبية.
غيّر طريقة تفكيرك
مع متلازمة المحتال، حتى الأشخاص الأكثر إنتاجية ستطغى عليهم مشاعر عدم الكفاية. ويزداد الأمر سوءًا حين تقل عروض العمل المستقل! يقول الدكتور ساول: “ذلك لن يخلّصك من متلازمة المحتال، ما تفعله هو إعادة صياغة الموقف بحيث تتمكن من التعامل مع شكوكك”.
بعبارةٍ أخرى، حاول سرد المواقف الإيجابية التي حدثت معك مؤخرًا: امتنان عملائك لعملك، والتأثير الذي أحدثه المحتوى الذي قدمته على الحملة الإعلانية، والعلاقات الاجتماعية التي بنيتها مع مبدعين آخرين. إذا لم تجد أيًا منها، فاربط بين نفسك وسجّل إنجازاتك. يشرح الدكتور ساول هذه النقطة فيقول: “حصولك على المشاريع بشكلٍ مستمر دليل على أنك تقدم عملًا مميزًا للغاية”
مارس التأمل الواعي
كشفت دراسة نُشرت في مجلة (Social Cognitive and Affective Neuroscience) أن التأمل يخفض مستويات القلق ويؤثر إيجابيًا على الجزء الذي يتحكم في القلق من قشرة الدماغ الأمامية. ويرتبط مفهوم (التأمل الواعي) بالسيطرة على أنفاسك. ومراقبة أفكارك بحيث تتخلى عنها إذا لم تكن أفكارًا بنّاءة. يتطلب الأمر الكثير من الممارسة، لكن يمكن للتأمل الواعي أن يكون مفيدًا جدًا للتخلص من القلق وتقليل الأعراض الجسدية.
تواصل مع المستقلّين الآخرين
العزلة الاجتماعية هي شيء صعب تفرضه حياته المُستقل، ويسهل دومًا الوقوع ضحية السلوك المنعزل، ولكن لحسن الحظ، من السهل أيضًا تجاوزه. يمكن أن يساعدك التواصل مع المستقلين الآخرين أكثر مما تتخيل. يمكنك جدولة أنشطة اجتماعية مع المستقلين أو التسجيل لحضور اجتماع أو مؤتمر للإبداع والمبدعين. إذا كنت مستعدًا لمزيدٍ من الالتزام، فقم بالانضمام إلى مساحة عملٍ مشتركة تشجّع الأعضاء على مشاركة عملهم مع بعضهم البعض.
تعامل مع العمل الحر كعملٍ تجاريٍ حقيقي
في بعض الأحيان يؤدي تغيير المظهر الخارجي لتغير في الشعور الداخلي. لا يقتصر إضفاء الاحترافية في عملك المستقل على الاهتمام بالعملاء فحسب، بل يتعدّاه ليشمل أخذك لباقي الجوانب على محمل الجد. إن إنشاء شركة ذات مسؤولية محدودة، وأخذ صور مهنية احترافية، والالتزام بدقة الحسابات، وتوثيق وتعزيز التعاملات مع العملاء السابقين، وتحديث صفحاتك على مواقع التواصل الاجتماعي، هي فقط بعض الطرق التي يمكنك من خلالها فعل ذلك.
في الختام: لا تتجاهل شعورك ولا تقلل من شأنه. بل اتخاذ خطوات تساهم في معالجته. أحط نفسك بمن يدعمونك وركزّ على مشاريعك الناجحة. فإذا استمر شعورك بالقلق الشديد أو الاكتئاب، فربما حان الوقت لتحصل على مساعدةٍ طبيةٍ على الفور.