لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
توقفت منذ سنوات عن التحدث عن أمي وأبي-شفاهم الله وبارك في عمرهم-على صفحتي بالفيسبوك مراعاة لشعور أصدقائي وأقاربي الذين فقدوا والديهم؛ فلم أكتب أشعارًا جميلة عن أمي وحبي لها أو عن أبي سوى مواقفه الكوميدية معي؛ لكني -كما أخبرتكم من قبل- لن أترك سباق الخمسين إلا بعد كتابة مقالة واحدة علي الأقل عن أمي وأبي، وكيف تعاملت معهم منذ الصغر حتى الآن.
1- أقنعت نفسي بأفكار مجنونة
من صغري وأنا أعشق خلق السيناريوهات؛ لذا تخيلت أن أبي وأمي سيتخلون عني فجاءه؛ فكلما عانوا معي في المستشفيات كلما اعتذرت لهم كثيرًا وشكرتهم على وجودهم معي في المستشفى، كنت أقول لنفسي "أنتِ مريضة ودائما ترهقين والديك معك؛ فأحسني التصرف وكوني طالبة متفوقة كي تعوضيهم على الأقل"، طبعًا أدخلت تلك الفكرة في عقلي لدرجة أنى قررت الذهاب لأفضل الجامعات ودراسة أفضل التخصصات، وقد كان وأشعرتهم بالفخر، وكنت أنا الوحيدة في أخوتي التي حظيت بحفلة تخرج رائعة في قاعة مؤتمرات جامعة عين شمس مع والداي-سأحدثكم عن ذلك في مقالة جديدة بإذن الله-كان هذا اليوم بمثابة تكريم لهم على معاناتهم معي طيلة سنوات تعليمي.وكانت الفكرة الثانية التي لا تزال تراودني أحيانًا وتُذهب النوم من عيني، فكرة أن أستيقظ يوما ما ولا أجد أحدًا منهم بجواري؛ لدرجة أني حتى هذه اللحظة أتجول في غرف الشقة كلها بمجرد استيقاظي من النوم للبحث عن أخي وأمي وأبي وأختي وبناتها، أعلم أن تلك الأفكار هواجس ووساوس قهرية؛ لكني لا أريد تغييرها لأنها تذكرني دومًا بقيمة النعمة التي أهداني الله إياها.
2- الاستماع إلى قصصهم وشكواهم
بعد وصول الآباء والأمهات لعمر معين ستجدون أن الأمور بدأت تنعكس فجأة؛ فستجدهم يأتون إليك ويشتكون من فلان أو علان، وحتى سيجلسون ويتحدثون معك عن الماضي العزيز أو سيشرحون لك سنوات شبابهم أو ربما سيسردون لك قصص من التاريخ وسيخبرونك بأولي العزم من الرسل، طبعًا كل تلك الأحاديث لن يحظى بها كل الأولاد؛ لكن الابن المقرب للوالدين فقط هو من يحظى بذلك.أنا عن نفسي كنت ولا أزال الأكثر حظًّا من أخي وأختي؛ فأمي دائما تشتكي إلي وتحدثني عن مواقفها مع الآخرين، كذلك أبي كلما سألته عن شيء ما يبدأ بجملته الشهيرة "جد مش عارفة، بصي يا صحافية …"، ويبدأ في شرح القصة من بداياتها لدرجة أني أحيانًا لا أتذكر عمّا سألته، طبعًا أنا عودت نفسي على الاستماع لهم ولقصصهم وشكواهم، فلا أفعل شيئًا سوى ترك ما بيدي وإظهار اهتمامي بحديثهم حتى ولو كان مكررًا.
3- القدرة على إضحاكهم
إذا كنت من أولئك الأبناء الذين يستطيعون رسم ابتسامة علي وجوه آبائهم فهنيئًا لك على إنجازك هذا، أنا عن نفسي أعشق استغلال الفرص لإضحاك أمي وأبي لدرجة أني بالأمس كنت على وشك قتل أبي -حرفيًّا- كان يتحدث عن أشرقت حينما أخذت لحاف السرير، فذكّرته بمشهد من توم وجيري حينما صعد النمل على الشجرة وحمل الأطعمة لدرجة أن الشجرة وقعت علي توم، طبعا أنا لم أنتبه أن أبي كان يشرب ومثلت الموسيقي التصويرية لمشهد النمل طبعًا أنتم فهمتم ماذا حدث بعدها، بالنسبة لي إضفاء جوّ البهجة والضحك وإخبار والدتي وأبي بالأخبار ومقالاتي على موقع "زد" والجمهورية هو روتين يومي من أجل إسعادهم، يكفيني أن أراهم يبتسمون ويضحكون.
4- احتضانهم من وقت لآخر
بالأمس خرجت من غرفتي واحتضنت أمي لأني -كالعادة- كنت أريد منها تحضير العشاء لي؛ فأنا حتى الآن لا أفقه شيئًا في المطبخ، طبعًا هي لم تتخيل أن هذا الحضن هو عبارة عن تملق فحضنتني بشدة وتأثرت، وقتها شعرت بالاستياء من نفسي فأنا لا أتذكر آخر مرة احتضنت فيها أبي وأمي وحتى أخي وأختي، اكتشفت أن مع الأسف هذا هو حالنا نحن البشر نعيش في بيت واحد ومع ذلك لا نقول أي كلمة توضح مدى حبنا لآبائنا وأمهاتنا.لذا قررت أن أكتب تلك المقالة اليوم لإخباركم أن المشاعر تحتاج لأفعال للتعبير عنها بدلًا من الكلمات الصماء المجردة، فمثلًا أختي جاءت منذ قليل مستاءة من إحدى صديقاتها وأنا كالعادة وبَّخْتها لأن معدلات تقدير الذات لديها وثقتها بنفسها أقل من المعدل الطبيعي، ففكرت لماذا لم أساندها وأنصحها بلطف بدلًا من توبيخها.
في الختام
لا أريد أن أعطيكم نصائح وأن أخبركم ماذا تفعلون وكيف ومتى.. إلخ؛ لكن كل ما أريده حقًّا أن لا تسمحوا لمرض الاعتياد أن يتمكن من حياتكم؛ لأن بمجرد أن تعتادوا على شيء ما ستعاملونه كما لو كان سيدوم للأبد، وقتها لن تشعروا بقيمته الحقيقية إلا بعد فقدانه- أعاذنا الله وإياكم من مرارة الفقدان- لذا اقتنصوا أيّ فرصة تسنح لكم وعبروا عن مشاعركم لأحبائكم ووالديكم، واستمعوا لهم حتى ولو كان حديثهم مملًّا ومكررًا، وارسموا دائمًا ابتسامة على وجوههم لأنكم ستسعدون أكثر من سعادتهم.
إليك أيضًا:
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد