Loading Offers..
100 100 100

حياة بلا شاشات [تجربتي الشخصية]

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

منذ عامٍ واحدٍ تقريبًا كنت أحد أولئك المدمنين على الأجهزة الذكية، كنت أقضي ما يقرب من ست ساعات يَوْمِيًّا في إهدار وقتي الثمين على الإنترنت، حتى وصل بي الحال إلى أن أثر هذا الأمر بشدة على قوتي البصرية، علمت وقتها أنه لا مفرّ من محاولة التخلص من هذا الإدمان الذي دمر عليّ حياتي.وبالفعل بدأت محاولاتي الصارمة في الامتناع عن استعمال الأجهزة الذكية حتى جاء شهر رمضان المبارك ببركته وروحانيته المعهودة وساعدني على التخلص تَدْرِيجِيًّا من هذا الإدمان، أدركت وقتها أن محاولات الإقلاع الفوري عن العادات القديمة صعبة للغاية فلجأت بعدها للتدرج، فاليوم أقلل عدد الساعات ثم غدًا أترك يومًا ثم يومين ثم ثلاثة ثم أسبوع، ساعدني أيضًا خراب هاتفي الجوال على التحرر من العبودية لهذه الأجهزة بشكل كبير، فاشتريت هاتفًا قديمًا ذا أزرار لاكتفي بالتواصل هَاتِفِيًّا واكتفيتُ بجهاز اللاب توب المحمول. وبعدها بدأتِ الحياةُ الحقيقية.أدركت عندما أغلقت الأجهزة أنني كنت أظلم نفسي بقضاء كل هذا الوقت على الإنترنت وإهداره في اللاشيء، كنت أحتاج حتمًا لهذه الخلوة مع نفسي لأعيد التفكير فيما أريد إنجازه في الحياة وماهية وجودي في هذه الدنيا، أدركت أن سبب تشتت الذهن وكثرة التفكير بلا عمل كان سببها الأساسي هو الانشغال بمشتتات الإنترنت خاصة بسبب وسائل التواصل الاجتماعي التي تحوي العديد من المنشورات مختلفة الأفكار والمشاعر تدخل عقولنا في آنٍ واحد دون أي تمحيص ولا تفكير، وعندما أدركت هذه الحقيقة أغلقت وسائل التواصل الاجتماعي من فوري ونعمت بالسلام النفسي والذهني، أدركت أنه رغم مرارة الواقع إلا أنه أكثر صدقًا وشفافية من عالم الوهم، أعلم أن للعالم الافتراضي مميزاته وعيوبه وهذا ما سأذكرهُ فيما بعد ولكن ضره بالنسبة لي كان أكبر من نفعه فآثرت السلامة وأغلقته.أدركتُ كم أننا أغفلنا الحياة الحقيقة وما فيها من المبهجات التي سَخَّرَهَا الله لنا بل وأفسدناها بربطها بالعالم الافتراضي، فهذه لا يهدأ لها بال إلا عندما تصوّر الوجبة التي طلبتها للتوّ في المطعم، وهذا لا يرتاح إلا عندما يشارك حزنه وفرحه ومرضه على الإنترنت ليكسب تعاطف المتابعين، فاندثر فينا صدق الإحساس بقيمة اللحظات والأشياء، ورُبطت قيمتها فقط باطلاع الناس عليها بل بإعجابهم بها واستحسانهم لها.في هذه الخلوة اكتشفت العديد من الأنشطة والهوايات التي يمكن أن تملأ حياة الإنسان ببهجة تعادل بهجة التواصل الرقمي ومنها: التأمُّل، القراءة، الاستماع للمحاضرات المفيدة في شتى العلوم، الطبخ، حفظ القرآن، الأعمال اليدوية، وأخيرًا -وهو ما لجأت إليه هنا- الكتابة. هذه الأنشطة تُذكِّر الإنسان بشغفه المنسيّ وحيويته الفطرية غير المرتبطة بأي جهاز، بل تخلق فيه روح الحياة المحبة للتطلع والطموح والإنجاز الحقيقي الملموس، أن تصنع شيئًا بيديك تراه وتشعر به. هي لذةٌ لن تستشعرها بمجرد رؤيتها من خلال صورة على الإنترنت أو مقطع فيديو.

ولكن ماذا عن أشغالنا وأعمالنا ودراستنا عبر الإنترنت؟

أنا أيضًا عانيت -ولازلت أعاني بالمناسبة- من هذه المشكلة، ولكنني أدرك أن للحياة الحديثة متطلباتها، ولا بد لنا من إحداث التوازن في حياتنا بلا إفراط ولا تفريط. فخاصةً بعد انتشار فيروس كورونا وإغلاق المدارس والأشغال وقرارات حظر التجول عبر العالم، زاد الإقبال على استخدام الأجهزة الذكية لأغراض العمل والدراسة، ولكن هذه المشكلة يمكن تلافيها بتنظيم الوقت وتقسيم اليوم والاكتفاء بالحاجة الحقيقية وبأقل القليل دون الانغماس في العالم الافتراضي بما يضيع الأوقات ويثبط الهمم والعزائم.أنا مثلًا أكتفي بقضاء ساعتين فقط على الانترنت لمدة أربعة أيام في الأسبوع ، وذلك لأغراض الدراسة، وتقل المدة في الإجازة الصيفية –على عكس المتوقع- وهذا لأن الإنسان يجب أن يشغل نفسه بما هو مفيد وواقعي، ويعطي أهله وأصدقاءه حقهم، بالإضافة إلى حظ نفسه من الرياضة والطعام الصحي. في الواقع، العالم خارج إطار الأجهزة الرقمية ممتع وثريّ بالأنشطة، ولكننا أغلقنا على أنفسنا أبواب خيرٍ كثيرة، كانت مفتوحة للأجيال التي قبلنا.

ولكن ألا بأس ببعض الترفيه؟

بالطبع لا بأس، ولكن اختر نوع الترفيه بعناية وحدد له وقتًا لا يتعداه، وكن واثقًا أنك إذا فتحت باب الترفيه فستسطيع إغلاقه عندما تريد، ولا تقصر الترفيه على عالم الانترنت وأوجد لنفسك ترفيهًا حقيقيًّا ملموسًا فهو أكثر تأثيرًا في تحقيق السعادة.

هل الحياة بدون شاشات ممكنة؟

نعم، ممكنة ولكنها كانت أسهل قبل عشرين عامًا من الآن؛ لأن متطلبات الحياة اليومية الآن تقتضي منا التواصل الرقمي بشكل منتظم، ولكن على الرغم من هذا نستطيع خلق العالم الخاص بنا وأخذ فترة راحة من العالم بين الحين والآخر والدخول في خلوة مع النفس لإراحة الذهن من التوتر والقلق والمشتتات اليومية .هذه كانت تجربتي مع الحياة بلا شاشات، أرجو أن تكون مفيدة ونافعة لكل من يتمنى أن يأخذ قسطًا من الراحة من الأجهزة الإلكترونية وتنفس الحياة الفطرية سعيًا نحو حياة أكثر إنتاجية، وسعادة نفسية وجسدية عميقة.
إليك أيضًا

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..