لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
أمضيت في أحد الفرق التطوعية العلمية 3 سنوات انتخبت ضمنها لقيادة فريق تطوعي من 50 شخصاً لإنتاج محتوى طبي مطبوع ومنشور للبيع، تجد نفسك متحملاً لمسؤولية تفوقك وتتعداك، تصبح مهتماً بالسوق والمنافسين، مهتماً بأدائك، مهتماً بكل عضو في فريقك كيف تستخرج أفضل ما عنده، مهتماً وقلقاً على النتائج والإحصائيات مع نهاية كل دورة عمل والكثير جداً من الأشياء.
كلما زاد عدد الأشخاص الذين صرت لهم قائداً تتزايد مسؤوليتك بشدة، لا يعرف أعضاء فريقك بكم وكم تفكر من أشياء للوقاية من المخاطر، كيف تبدو لك المركبة ماضية في هذا البحر وأنت قلق من الرياح من كل حدبٍ وصوب.
5 محاور تعلمتها من تجربتي في التطوع
1. دع قوانين القيادة الصارمة جانبًا
توجد معايير في القيادة تجعل شخصاً يصلح للقيادة وشخصاً آخر لا يصلح لها، تتلخص بالمهارات والأداء والخواص. لطالما كنت أقرأ أن القائد يتسم بصفة أنه اجتماعي، فليس ممكنناً أن يكون القائد انطوائياً وقائداً في نفس الوقت، لأن مهمته تتطلب الإلهام والتأثير والتواصل المستمر مع أعضاء فريقه.
مثل هذه الفكرة قد تكون معيقة لك عندما لا تتوفر لديك كامل الصفات التي تعبر في علومهم عن القائد، لكن في النهاية تقل أهمية العلم النظري حينما يثبت وتثبت أنت بالواقع والنتائج غير ذلك.
لأن الظروف القيادية تختلف من مكانٍ لآخر ومن فريقٍ لغيره، يرى الناس عموماً ميزات القائد وقدراته ويختارونه لكي يحققوا أهدافهم به، لذا يدعمونه. لا تجعل النظريات والأقوال والمفاهيم عائقاً لك نحو أي أداء تؤمن أنك مؤهل وتستطيع فعله، إذا كانت نقاط قوتك قادرة على الاسثمار وإلهام فريقك تستطيع الاستمرار حتى مع عيوبك.
2. ثقة الفريق بالقائد
إن الحفاظ على قيم ورسالة الفريق هي من مهمات القائد، تتلخص قراراته في عدم المساس بها لأنها تحمل هوية فريقه. ورغم القدرة على التأثير ونشر قيم فريقنا إلا أنه واجهتنا مرة مشكلة كانت بحاجةٍ إلى اتخاذ قرار، أخبرت برأيي وأخذت مشورة ومضينا وطبقنا القرار، مع مرور عدة شهور من عملنا للأسف خسرنا نسبة من السوق واستغل أحد منافسينا قرارنا هذا لكسب المشترين.
في تلك اللحظة الذي تبين فيها عدم صواب ذلك القرار استغربت بشدةٍ عدم إنكار أي من الفريق على قراري، بل والتصديق عليه والمضي به والإيمان بهدفه.
يؤمن الناس بالشخص ويصدقونه، هتلر من أكثر الأمثلة دلالةً على ذلك، لقد كان قوي الكلمة سريع التأثير، بدأ حزبه السياسي ينمو شيئاً فشيئاً وبدأ هو بنشر مشروعه عن تحسين ألمانيا ورغبته في جعلها من أفضل البلاد، وكان يحب أن يخطب بالجمهور ويقيس كم العدد والتأثير الذي حصل عليه مع كل خطاب، هذا ما كتبه في كتابه.
لقد حمل ألمانيا كلها لخوض الحرب العالمية الثانية التي كان يأمل بأن يحقق مشروعه لبناء بلاده من خلالها، لكنه فشل وهزم ودخلت ألمانيا بأسرها خسارة مبرحة بسببه مادياً ومعنوياً رغم أنه يبدو أنه كان يحسن النية. هل يمكن أن يكلف قرار شخص حياة الآلاف من البشر، والمضي وراء هذا القائد؟.
3. يصدق الفريق القائد المتدين
يصدقونه لأنهم يأمنون معه من الكذب والاحتيال والسرقة وقلة الأمانة، يصدقونه حتى لو كانوا هم ممن يكذبون ويفعلون كل تلك الأمور السيئة. لقد جرت دراسة كبيرة لبلدانٍ متعددة حول أسئلة للناس العوام عن ما هي صفات القائد الذي تقبلون أن يحكمكم، فاجتمعت في الدراسة صفتان متواترتان بقوة الصدق والأمانة. أما القائد المتدين فإنه يرى ذلك مسؤولية وأمانة في حفظ حقوق كل عضو في فريقه.
4. دعم الفريق للقائد
توجد قاعدة عامة في الفرق والمؤسسات وحتى الأعمال الخيرية، أن كل إنسان يعمل لمصلحته الشخصية، وهذا ليس خطأً وليس عاراً وقلة أخلاق ولا حتى قلة في الدين، فإن مصلحة الإنسان في إدخال نفسه الجنة تقتضي الاهتمام بنفسه ومنعها من الشر ودفعها للخير؛ لذا فإن الناس يدعمون القائد لأنه يحمل أحلامهم وأهدافهم ويحققونها به، يريدون أن يشعروا أن المؤسسة التي ينتمون إليها تتمتع بالقوة ويحبها الناس ويقبلون عليها.
أما عندما تخطئ هذه المؤسسة يتبرأون منها أمام الناس ويذمون نواقصها ويصفون عملهم معها أنها وظيفة ليس أكثر. تستطيع أن تكسب فريقك أكثر بجعل أهداف المؤسسة وأهدافك وأهدافهم تتقاطع معاً، أما أن تتوقع ولاءهم وبذلهم للمؤسسة فقط لأجلها هذا خطأ ولن يكون.
5. كثرة القوانين تشل الحركة
لقد كنت ممن كتبوا النظام الداخلي للفريق، كنت أود أن أضع نظاماً ينظّم كل حركة وتفاعل ضمن الفريق، نتج عن ذلك ملف ضخم من القوانين والبنود هي نتاج عمل الكثير من الأعضاء، لكن فيما بعد وجدنا أن هذا النظام لم يكن إلا لتعليقه على الحائط وبدا المتطوعون غير مهتمين به ولا بقراءته، يعملون كما اعتادوا أن يعملوا.
لطالما كنت أتساءل لماذا لم تضع الشريعة الإسلامية القوانين والأجوبة لكل حركة ونشاط للإنسان وخصوصاً في إنشاء الدول والأنظمة؟ لكن تبين فيما بعد أن التعليمات يجب أن تبقى قليلة يتذكرها الأعضاء ممكنة التنفيذ ويجب أن تبقى الأمور الأخرى مفتوحة حرة يختار لها الأعضاء ما يناسبهم بدون قيود حسب ظروفهم المتنوعة.
في الختام.. ما وجدته في رحلتي أن القيادة تجربة ثمينة للتعلم ولكنها تجربة مرهقة جداً من حيث الأداء وتحمل المسؤولية.