لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد
أن تستلقي غيمة وسط أحضان الجبال، أعجوبة منسوجة من ندى المرتفعات والوديان وترتيلة مقتبسة من تباشير الكتب العتيقة التي تَعِد بالفردوس لكل من أطاع الرب وتفانى في عبادته، هكذا هي أوزنجول ألقت بها كفٌ إلهية وسط الجبال لترسو كما ديمة واعدة أملًا على مر الأيام.تقطع الدروب عيون السائحين، تملأ النفوس مباهج، تلّ ومنعطف ريفي، معتق بروائح الصنوبر والنباتات العطرية التي تتسلق الجبال، وتستلقي على أكتاف الأكواخ الخشبية بكل راحة لتمتد وتمتد فتمنح المكان أجمل المناظر وتهدي المارّين أروع الروائح الطبيعية.تبعد عن مدينة طرابزون (100كم) والطريق إليها لوحات فنية أبدع الخالق في ترصيفها، تعتبر ملهمة الفنانين والكُتاب والشعراء، الوصول إليها عبر طريق مسور بأشجار الصنوبر، جميل وجذاب، مع انخفاض في درجات الحرارة كلما اقترب السائح من البحيرة شعر بالرطوبة وندى الأنفاس الجبلية، يحيط بالبحيرة، الاستراحات والمطاعم الريفية، وعلى بعد أمتار منها يبدأ التوغل بالأسواق الريفية التي تم تصميمها كما الأكواخ الإفريقية التي تقبع تحت أكوامٍ من القش.لن يتسلل الملل في هذه المنطقة أبدًا، فهي لا تعرف الخمول حركة بحيرتها لا تهدأ فتجديف الزوارق لا قرار له، وتمايل الأسماك على وقع الموسيقى الشعبية يغري صياديها بالتهامها، لا يوجد مد وجزر في هذه البحيرة، لكنها مد الزوار وجزر المتاحف الراسية عند ضفافها تستقطب سائحي العالم دون منافسة.
نهار البحيرة
نهار أوزنجول بارد، تنحدر من أعالي الجبال المحيطة بها شلالات متنوعة الأطوال تخبئ في باطنها مغارات وكهوف وتلال من النباتات الجبلية مختلفة الروائح والتكوين. لايوجد ساعة فراغ في هذه المنطقة، فمن هواية الرسم إلى هواية الكتابة تظهر هواية ركوب الخيل وتسلق الجبال، وركوب الدراجات.
ملهمة الأدباء والرسامين
ليس عجبًا أن يمضي السائح ساعات طوال في المشي والتنقل بين المرتفعات والوديان، فكل ما في المكان جميل ممتع وجذاب، يحرض النفس على اكتشافه والغوص في بواطن أسراره، عمر هذه المنطقة يبلغ قرابة خمسة قرون، يحيط بها قمم ثلجية بقبعات بيضاء وهضاب سندسية، قد يشعر المرء بأنه بيكاسو، أو فاندوغ، أو قائد أسطوري وهو يمتطي خيلًا يقوده إلى أعالي الجبال، لا بأس لكنه سرعان ما يعود ذلك الزائر الذي نجحت في جذبه بحيرة الصنوبر وسمك السلمون.
مطابخ البلدة
أما عن المطبخ التقليدي فطرابزون وضواحيها مصدر ثقافي غذائي غني للغاية، خبز التنور الذي تبرع النساء القرويات في خبزه كل صباح، ليصل إلى المطاعم طازجًا ساخنًا، الشاي والجبن الطرابزوني الشهير، وعشرات الأصناف من المخبوزات والفطائر الساخنة بالجبنة أو الخضروات بالزيتون أو البطاطا، باللحم أو سادة، بعد مائدة الفطور المتنوعة، للسائح أن يخيم على مقربة من البحيرة، ويقيم حفلات السمر، أو أن ينفرد برسم لوحة يتشابك فيها الخيال بالواقع، أو أن يبدأ بغزل نثريّ أو حكاية عن أميرة الثلج الساكنة أعالي القمم العاتية، مع نسر ذهبي يوصل لها أخبار البحيرة كل صباح!
هوايات نساء البحيرة
لا أحد يتقن فن صنع المنسوجات اليدوية كنساء الريف التركي، براعة الأنامل ترسم بحرفية مختلف النقوش والزخارف، وتقدم فن التطريز بخيوط الذهب والفضة تحمل بين طياتها حكايات القوقاز التي قدمت إلى الأناضول لتسكب في قالب حرفي مختلف فنون الإبداع، وتستمر مواويل البحيرة، وتعلو ابتسامات الصبايا للجديد الذي يكتشفونه، وبكل فرح يتزينّ بالإكسسوارات الجميلة التي تعمل على إنتاجها النساء القرويات، تصاميم عثمانية وقوقازية وأخرى قادمة من الأناضول، تحكي صديقة بكل فرح لصديقتها عن مكانٍ جميل عثرت عليه، فتتسابق الخطوات إلى هناك خلف التلال لتبدأ العيون برصد منظر البحيرة من الأعالي.تناسق غاية في الروعة، نحت إلهي التكوين، ربما يحتفظ السائح بمئات الصور لكنه دائمًا يشتاق الأصل، الملون بألوان الطبيعة، له أن يحمل عشرات قوارير العطر التي تذخر بروائح النبات الجبلي، لكنه لن يفوز بمخملية الروائح كما يشعر بها بين أحضان الجبال ومنحدرات الوديان. للصبايا الاحتفاظ بالزهور البرية بين ثنايا كراريسهن المدرسية، أو بين أوراق دفاتر الذكريات، لكن لن يحتفظن بأريج الورد وهو يلف بعبقه ضفاف البحيرة، وهضاب المرتفعات.وتبدأ رحلة العودة، لتدبّ في الذكرى أوجاع الحنين، عبر كل منعطف ورصيف حكاية وعجلات الزمن دائمة الدوران أحباب مرّوا من هنا، رفاق عبروا من هناك وبحيرة أوزنجول دائمًا بانتظار محبي الهدوء، نسيم الجبال، وورود الساحات، برفقة أغلى الأصحاب وشوشات الطيوب، دواء من كل داء.إليك أيضًا
تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد