Loading Offers..
100 100 100

 ثريا منوتشهري وإيمان عادل: الجريمة التي تُكررها العادات المقيتة في حق البريئات 

لتجربة قراءة أفضل تفضل بزيارة المقالة على زد

حينما كنت أصغر عمرًا كنت دائمًا ما أتساءل تساؤلًا بديهيًّا لأيّ شخص لديه قَدْر من العدل في نفسه وهو: لماذا جرائم الشرف دائمًا متعلقة بالنساء؟هل هناك أمر أجهله؟ هل هناك سبب يمنع؟ وفق الشريعة الإسلامية التي أؤمن بها، فالزاني والزانية سواء كانا من المُحصَنين (المتزوجين) أو غير المُحصَنين فإنهم في الحالتين ذكورًا وإناثًا يتلقون الجزاء نفسه. الطريقة التي من الممكن أن يكفروا بها عن ذنبهم واحدة ومقدار الذنب نفسه واحد، ولا أذكر أنني اطلعت على نصّ ديني واحد يقول إن الأنثى مرتكبة الزنا محملة بإثم يفوق ذلك الذي يطول الذَّكَر مرتكب الزنا.

إذًا لماذا؟

لماذا لا تستطيع امرأة حينما تدخل منزلها وتجد زوجها يمارس الجنس غير الشرعي مع امرأة غيرها أن تجرّه إلى المحكمة ويعاقب بالسجن على ذلك؟ ثم يصبح منبوذًا إذا ما خرج ولا يستطيع النظر في وجوه الناس لأنهم سيذكرونه للأبد بإثمه وتصبح سمعته سيئة للحد الذي يجعل من قبول أيّ امرأة أخرى له مستحيلة؟ أو لماذا لا تستطيع نفس المرأة التي تدخل منزلها وتجد ذلك المشهد أمامها أن تمسك بسكينٍ وتقتل زوجها، ثم حينما يَثْبت بالقانون أنها قتلته "دفاعًا عن شرفها" يسقط عنها الحكم فلا تقضي بعد قتله أية عقوبة تُذكر. وإذا ما خرجت من بوابات المحكمة بعد صدور حكم تبرئتها تحتفي بها العائلة والجيران ويطلقون من أجلها الزغاريد ورصاصات الفخر؟

منطقية حُجة عدم إمكانية مساواة "شرف الرجل" بـ "شرف المرأة"

لكنني لم أجد أية إجابة مقنعة على تساؤلاتي هذه، بل وفي بعض الأحيان كانت تقابلني كلمات سخيفة عن عدم إمكانية مساواة "شرف الرجل" بـ "شرف المرأة" في المجتمعات الذكورية التي يميزها العصبية للجنس الذكوري والمعايرة التي قد يتلقاها إذا لم يحفظ جيدًا هذا الشرف. ولكن ماذا عن المرأة؟ أليس لها سمعة يجب أن تحفظها؟ أو أنه حكرًا عليها أن تعامل نفسها كمغفلة وتتعايش مع خيانات زوجها المتكررة أو في بعض الأحيان توبّخ لعدم تحسين جهودها بشكل كافٍ يرضيه.الحقيقة أنني لست هُنا لتحريض امرأة على قتل زوجها بسبب تعدد خياناته، ولا لكي أقول لرجل أن يتعايش مع زوجته الخائنة ويبذل جهده ليرضيها كما هي النصائح التي توجه للمرأة في مثل هذه المواقف غالبًا، ولكنه من التعيس حقًا أن يملك نفس المجتمع معيارين لوزن الأمور والسبب الوحيد الذي يجعلك تحصل على معيارٍ -أفضل أو أسوأ- هو نوعك الجنسي ليس إلا.وللأسف، فإنه من الواضح أنني لست الشخص الوحيد الذي أدرك تلك الثغرة التعسفية في المجتمعات التي تسمي نفسها اعتباطًا بـ"المتحفظة" تحديدًا فيما يخص جرائم الشرف. بل حتى أولئك غير الأسوياء نفسيًّا، والذين لا يمتلكون في قلوبهم مقدار ذرّة من ضمير.. أدركوها أيضًا، ووصلوا لنتيجة مبهرة في فَهْم نمط التفكير لمجتمعاتهم. ليجدوا أنه لم يَعُد حتى من الضروري أن تكون المرأة فعلًا خائنة ليصيبها من النَّبْذ والفضيحة و"القتل" ما يصيبها. بل الأمر أبسط من ذلك، مجرد ذكر كلمة "شرف" في القصة سيكفل لهم حق التصرف في نسائهم، حتى لو لم يكن له أي أساس من الصحة.

قصة ظُلم: ثريا مينوتشهري

دعونا نعود بالزمن لعام (1986م) حيث إيران دولة تنتمي أيضًا لحزب "المجتمعات المحتفظة" ولجرائم الشرف فيها وَقْعٌ مختلف تصبح كل الأمور مباحة في حضرتها. وحيث أيضًا امرأة في الخامسة والثلاثين من عمرها تدعى "ثريا مينوتشهري" تعيش مع زوجها ما يقارب الخمسة عشر عامًا، مدة طويلة لمن يحفظ العشرة، ولكن زوج ثريا لم يكن كذلك. ذنب ثريا الوحيد أنها رفضت أن يطلقها زوجها ليذهب لفتاة أصغر منها وأجمل، وسبب رفضها الوحيد هو أنها أم لأربعة أطفال وتعلم أنه بمجرد أن يتم الطلاق لن تستطيع أن تجد ما تطعمهم إياه. خصوصًا الفتاتين اللتين كان والدهما يسقطهما من حساباته. وبهذا الشكل؛ تفتق عقل زوجها عن حيلة حتى الشيطان لا يقبلها. دفع ثريا بنفسه لتعمل في خدمة أحد رجال قريتهم، والمسكينة لم ترفض لأنه سيكون بإمكانها الاحتفاظ بالمال الذي تجنيه تحسبًا لأي حركة غادرة من زوجها، لكنها لم تكن تعلم أن ما يكيده لها بمساعدة شيخ قريتهم المتواطئ لم يكن بتلك البساطة، فلقد أجبروا الرجل على الشهادة بأن ثريا راودته عن نفسه ونامت في منزله، وكما هو المتوقع من مجتمع يسمي نفسه بالمتحفظ ويعتقد أن أكبر مصائبه تقبع بين فخذي امرأة، لم يتحرَّ أهل القرية الدقة بعد شهادة رجل دينهم برفقة زوجها، وسرعان ما حفروا لها حفرة ورجموها حتى الموت ليطهروا أنفسهم من العار المزعوم.وكان من الممكن أن تموت قصة ثريا وتظل سيرتها حبيسة لتلك القرية النائية في إيران كقصة امرأة مومس لا تذكر إلا بسوء، ولكن يكتب لها أن تخرج من لسان عمة ثريا "زهرة" بعد سنوات من موتها حينما التقت بالصحفي الفرنسي الإيراني الأصل "فريدون صاحب" وأصرت زهرة على تلقينه القصة الحقيقية ليكتب عنها كتابه "رجم ثريا" وكأن الله أراد لتلك المرأة أنه وإن لم تحظى بالعدل في حياتها فعلى الأقل لا توصم بعد موتها بما لم ترتكبه.

التاريخ يخلق نفسه.. بشكلٍ أكثر سوءًا!

واليوم ها هو التاريخ يعيد نفسه بكل التفاصيل الأكثر بشاعة والأقل إنسانية. بل إننا نجد تلك التفاصيل ومع تقدم الوقت تخرج من نطاقها اللإنساني إلى حيز آخر لم يخترع له اسم بعد. هنا، في عام (2020م) وبعد أربعة وثلاثين عامًا من حادث ثريا تقع حادثة "إيمان عادل" الفتاة المصرية ذات الواحد والعشرين عامًا والأم لطفل سبعة أشهر، والتي أثارت غيظ زوجها؛ لأنها توقفت عن جعله شغلها الشاغل بين متطلبات طفلها ودراستها. وبعدما مارس ضغطته لجعلها تنسحب من دراستها ورفضت الرضوخ له سرعان ما بدأ بالبحث عن فتاة أخرى يستبدلها بها وكأنها مجرد آداة لم تحقّق المتوقع منها مما يعطيه الحق في ركلها واستبدالها بواحدة جديدة.ولكن على عكس توقعاته جاء الرفض من عائلته الذين رأوا أن إيمان فتاة جيدة ويمكن أن تعامل كأداة. وهنا جاءته نفس الفكرة الملعونة التي خطرت سابقًا لزوج ثريا وهي اللعب على حساسية مجتمعه للشرف والعار.فلن يكون هنالك حق لعائلته أو لأي شخص في رفض تطليقه لإيمان لو ثبت عليها الذنب في شرفها، بل وقد يسعون معه لنبذها وفضحها. ولكن ولأن الوقت تقدم، فالفكرة التي أتت لزوج إيمان كانت أيضًا متقدمة في الدناءة عن التي خطرت لزوج ثريا. فبدلًا من أن يفكر في نصب المكيدة لها بينما هي بريئة تمامًا. قام بدفع أحد العمال في المحل الخاص به ليعتدي جنسيًّا على إيمان ويبتزها حتى تطلب الطلاق بنفسها عقب ذلك.إنه مستوى مختلف من الخِسة لا أستطيع حتى أن أصفه. ولكن ولحسابات القدر التي لا يحسبها هو لا تتماشى إيمان مع خطته، وتدافع ضد الاعتداء عليها لآخر نَفَس من حياتها، ثم تموت هناك على يد العامل في الغرفة ذاتها أمام طفلها الرضيع.ثريا وإيمان عاشَا في أماكن مختلفة من العالم، ماتا في أعمار مختلفة وبالتأكيد خاضَا خبرات مختلفة في الحياة ولكنهما واجَهَا نفس النهاية البشعة بلا أي ذنب. الرابط بين قصتيهما ليس هما في حدّ ذاتهما، ولكن العادات الجائرة التي تسمح للرجل بمعاملة زوجته وكأنها إحدى أملاكه التي يجب أن تكون لامعة وبرّاقة للأبد وإلا استبدلها بكل سهولة، ولو أعطت نفسها الحق بالاعتراض فبطاقة الشرف موجودة لحلّ كل الأمور.بالتفكير في الأمر أجد نفسي أشفق على أزواج هؤلاء النساء مهما بدا ذلك غريبًا، ولكنني أدرك أنهم أيضًا ضحايا، برغم أفعالهم البشعة المجردة من الإنسانية فهم ضحايا للمجتمع الذي يمنحهم سلطة الحكم وهم ليسوا بأهل لها، الذي رباهم منذ الصغر على الاعتقاد بأنهم مخلوقين ورضاهم غاية يجب السعي إليها، ويجعلهم يغلبون العادات على الدين نفسه. فإننا نعرف، حتى بعد مرور كل هذا الوقت والتقدم في العالم. أن ما مِن رجل في مجتمعاتنا سيتعرض للنبذ والتنمر والاستهجان إذا ما اكتشفنا سلوكه الملتوي، أو أنه تردد على نساء أخريات بعد زواجه.وإذا تعرض، فهل يمكننا أن نفترض حتى بأن مقدار ما سيتعرض له سيكون بمقدار ما لو كان في محله امرأة؟ككاتبة لهذا المقال لا أعتبر نفسي "نسوية" لأنني لم أؤدي كفاية لأحسب على تلك الفئة. ولكن ما أعتقده عن نفسي أنني شخص مهتم بحقوق الإنسان أيًّا كان جنسه ومكانه. وما أراه هنا أن ما حدث مع ثريا وإيمان كان أبعد ما يكون عن الطريقة المناسبة لمعاملة البشر، وما أجده أكثر ألمًا بين حكايتي المرأتين هو معرفتي الأكيدة بوجود العديد من القصص الأخرى لنساء تعرضن لما هو أبشع ممّا واجهته ثريا وإيمان إلا أن قصصهن لم تكن محظوظة كفاية لتعرض على الملأ.حتى إن الأمر يبدو بائسًا جدًا، حينما يكون الحظ هو ألا توصمين بعد موتك بما لم ترتكبيه في حياتك.

تابع قراءة عشرات المقالات الملهمة على زد

ربما تستفيد من هذه المواضيع كذلك :

تعليقات الفيسبوك
0 تعليقات المدونة

تعليق الفايسبوك

01ne-blogger

إرسال تعليق

Loading Offers..